تجدّدت الاشتباكات، أمس، في مدينة عدن، وتوسّعت رقعتها وتعدّدت أدواتها إلى حدّ دخول السلاح الثقيل للألوية العسكرية ميدان المعركة. معركة نفوذ تصرّ عليها أبو ظبي لتثبيت حلفائها وهي في طريقها نحو الانسحاب. تتراجع فرص التهدئة بما ينذر بصدام شامل يهدّد مدينة يقطنها 3 ملايين نسمة، في وقت لا تنذر فيه خريطة القوى بإمكانية بروز منتصر يحقّق حسماً سريعاً كجولة العام الماضي.توسّعت رقعة المواجهات في مدينة عدن اليمنية بين حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، المدعومة سعودياً، و«المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً، واستُخدم فيها السلاح الثقيل. وعلى رغم دعوات التهدئة العربية والدولية والأممية، فإن طرفي الصراع يبدوان ماضيين في خوض المواجهات، وخصوصاً منهما «المجلس الانتقالي» الذي جعل من إسقاط حكومة هادي هدفاً عسكرياً لا تراجع عنه. وقبيل وصول رئيس «الانتقالي»، اللواء عيدروس الزبيدي، قادماً من أبو ظبي، ظُهر أمس، إلى عدن، اندلعت مواجهات عنيفة بين «اللواء الأول مشاة» بقيادة الزبيدي، ومقرّه جبل حديد المطلّ على مديريات المحافظة، وبين «اللواء الثالث حماية رئاسية» الذي يقوده لؤي الزامكي، ومقرّه خور مكسر. مواجهات أسفرت عن تدمير صهاريج المياه على جبل حديد بعد قصفها بدبابات «اللواء الثالث». وتركّزت المعارك في مديريتي خور مكسر وكريتر، حيث توجد المؤسسات الحكومية، وصولاً إلى مطار عدن الدولي، الذي شهد محيطه مواجهات تسبّبت بوقف الملاحة وتعليق الرحلات.
وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن التواصل لم ينقطع بين طرفَي الصراع، ولا يزال الخط الساخن مفتوحاً بين وزير الداخلية في حكومة هادي أحمد الميسري، ومدير أمن عدن شلال شايع، المحسوب على «الانتقالي»، غير أن تلك المساعي فشلت في تحقيق هدنة. وتؤكد المصادر أن «الانتقالي» متمسك بمهلة 72 ساعة لتسليم قصر معاشيق الرئاسي، وإلا فإنه سيبدأ معركة «ما المواجهات السابقة أمامها سوى مناوشات». من جهتها، «ألوية العمالقة»، وعددها 6 ألوية جنوبية يقودها أبو زرعة المحرمي، دعت في بيان إلى ضبط النفس، لكنها أكدت وقوفها إلى جانب قوات هادي. والجدير ذكره، هنا، أن «العمالقة» أدت دوراً محورياً في وقف مواجهات الطرفين في كانون الثاني/ يناير عام 2018. وحمّلت حكومة هادي، التي يرأسها معين عبد الملك، بدورها، في بيان، «المجلس الانتقالي» مسؤولية التصعيد العسكري وما يترتب عنه «من نتائج وخيمة تهدد الأمن والاستقرار»، مطالبة كلاً من الرياض وأبو ظبي بـ«ممارسة الضغوط بشكل عاجل لوقف التصعيد».
«الانتقالي» متمسّك بمهلة 72 ساعة لتسليم قصر معاشيق الرئاسي


وعلى الرغم من أن التصريحات الدبلوماسية للرياض وأبو ظبي دعت إلى عودة الأوضاع إلى طبيعتها، إلا أن كل طرف لا يزال يعزّز وكلاءه المحليين عسكرياً. وفيما حلّق الطيران السعودي فوق عدن، وألقى قنابل صوتية مضيئة في سماء المدينة، وظهرت القوات السعودية البرية في محيط قصر معاشيق، جعلت الإمارات مخازنها وترسانتها العسكرية تحت تصرف «الانتقالي». ويرى متابعون أن أبو ظبي تَعُدّ المعركة «وجوديةً» لحلفائها، وخصوصاً بعد إعلانها انسحاباً جزئياً من اليمن، وذلك خوفاً من تقوية حكومة هادي عسكرياً وسياسياً على حساب «الانتقالي»، الذي بات بين مطرقة صنعاء (حركة «أنصار الله» وحلفائها) وسندان الرياض، فضلاً عن تخوّفها من استمرار تصفية قيادات «الانتقالي» العسكرية على غرار عملية الجلاء التي راح ضحيتها أحد أبرز القادة العسكريين الموالين لها. من هنا، فهي تسعى إلى تقوية «الانتقالي» في معركته حتى الانتصار وفرض أمر واقع. وبدا لافتاً، في الفصل الجديد من صراع النفوذ داخل معسكر التحالف السعودي الإماراتي، مسارعة «الانتقالي» إلى الرد على موقف الرياض الذي عبّر عنه سفيرها لدى اليمن، محمد آل جابر، بقوله إن المعركة «جانبية وتخدم الحوثيين»، حيث قال نائب رئيس «الانتقالي»، هاني بن بريك، إن «المعركة الجانبية التي تخدم الحوثيين (هي) ترك الجنوب للإخوان المسلمين (حزب «التجمع اليمني للإصلاح»)»، مضيفاً إنه «لولا الجنوبيين، الذين اتخذوا قرار مواجهة الحوثيين قبل تدخّل التحالف، لما تحقق نصر» للأخير.
معركة كسر العظم
بدت معركة عدن في يومها الثاني معركة كسر عظم، يتوازن فيها الرعب والردع بين الطرفين، من دون قدرة أحدهما على تحقيق انتصار خاطف، على خلاف معركة العام الماضي، حين حقّق «الانتقالي» انتصارات سريعة أسقط فيها «اللواء الرابع حماية رئاسية» خلال ساعات ووصل إلى أسوار قصر معاشيق، قبل التوصّل إلى هدنة رعاها «التحالف» بين الطرفين. وهو الأمر الذي يشي بأن حكومة هادي حصّنت نفسها عسكرياً تحضيراً للجولة الأخيرة مع «الانتقالي»، الذي تراجع حضوره الشعبي في الجنوب خلال الفترة الماضية، إضافة إلى فشله في خوض المعركة الحالية بكل قواته تحت قيادة موحدة وغرفة عمليات. وبرأي متابعين، لا حل سلمياً يلوح في الأفق بين المتحاربين، وخصوصاً أن التصعيد المتبادل بلغ ذروته بين الطرفين، ليس عسكرياً فحسب، بل سياسياً وإعلامياً، ما قد يحوّل عدن، «العاصمة المؤقتة» لحكومة هادي، والتي يقطنها أكثر من 3 ملايين نسمة، إلى جحيم، حين تَستخدم الألوية العسكرية وسط المدينة السلاح الثقيل.