تسارعت الأحداث جنوب اليمن بين «المجلس الانتقالي» المدعوم من الإمارات من جهة، وحكومة عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى، فدخلت مساء أمس فصلاً جديداً من المواجهة العسكرية، سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، وذلك عقب تشييع «أبو اليمامة»، وعدد من جنوده، الذين قضوا الخميس الماضي في استهداف قوات «أنصار الله» معسكر «الجلاء» في عدن.على وقع إعلان أبوظبي انسحابات عسكرية وتغييرات في استراتيجيتها في اليمن، وفور تشييع العميد منير اليافعي (أبو اليمامة)، رجل الإمارات البارز الذي قضى في العملية الأخيرة لقوات صنعاء على معسكر «الجلاء» في عدن جنوب اليمن، أعلن «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في بيان، «النفير وإسقاط قصر معاشيق» (مقر حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي). إعلانٌ خرج به «الانتقالي» بعد اتهامه حكومة هادي بـ«التواطؤ» في عملية استهداف اليافعي. طاول الاتهام تحديداً حزب «التجمع اليمني للإصلاح» («إخوان» اليمن)، الذي يتمتع بنفوذ قوي داخل الحكومة، ويتهمه «الانتقالي» بالتعاون مع حركة «أنصار الله» في تنفيذ تلك العملية استخبارياً، إضافة إلى دعم «الإصلاح» للعملية التي نفذها «داعش» الخميس الماضي أيضاً، وراح ضحيتها العشرات من قوات «الانتقالي».
من جهتها، عزّزت حكومة هادي حضورها عسكرياً في مدينة عدن خلال اليومين الماضيين، وسحبت قوات من الساحل الغربي إلى المدينة، وحصّنت مداخل القصر الرئاسي في معاشيق، عقب تسريبات في الساعات الماضية عن تحضير «الانتقالي» قواته لإسقاط القصر. ورُصدت فرق عسكرية تتمركز في محيط معاشيق، ما دفع السعودية إلى الدخول على الخط، وتعزيز قوات هادي بقوات لها، مع تحليق الطيران السعودي في سماء المدينة.
خريطة القوى تميل إلى قوات هادي من حيث العتاد، فيما يتفوق «الانتقالي» من حيث العدد


وحاول «الانتقالي» استمالة قوات «الحماية الرئاسية» التي يقودها نجل هادي، العميد ناصر هادي، عبر مناشدة أطلقها نائب رئيس «الانتقالي»، هاني بن بريك، لعناصر الحماية بأن «لهم الأمان مقابل تسليم السلاح»، مشيراً إلى أن «الهدف إسقاط الإخوان فقط». تلك المناشدة قوبلت بالرفض من قِبَل قوات «الحماية»، لتصدر الأخيرة بياناً أكدت فيه «تصدّيها بالقوة لأي محاولة لإسقاط المؤسسات الحكومية السيادية وعلى رأسها قصر معاشيق». وعلى الفور، تقدم «اللواء الثالث ــــ حماية رئاسية»، الذي يقوده العميد لؤي الزامكي، من مدينة كريتر وحتى خور مكسر، بعد صدام طفيف مع قوات «الانتقالي».

خريطة القوى عسكرياً
تبدو خريطة القوى عسكرياً في مدينة عدن تميل إلى مصلحة قوات هادي، من حيث التنظيم والعتاد والترسانة العسكرية، فيما يتفوق «الانتقالي» من حيث العدد. لدى الأخير «لواء حماية عدن» الذي يقوده رئيس «الانتقالي» اللواء عيدروس الزبيدي، إضافة إلى 4 ألوية لـ«الحزام الأمني»، وكتائب أمنية تخضع لمدير أمن عدن اللواء شلال شايع، غير أن تلك القوات مسنودة بقوات شعبية غير نظامية تدعم «الانتقالي» في سبيل تحقيق انفصال الجنوب وإعلان دولته التي كانت قائمة ما قبل عام 1990. في المقابل، لدى حكومة هادي ألوية «الحماية الرئاسية»، وعددها 4 في عدن، إضافة إلى ألوية «المنشآت» و«89» و«39» و«الشرطة العسكرية» و«القوات الخاصة».
ومن حيث السيطرة والانتشار، تبدو قوات «الانتقالي»، المدعومة إماراتياً، مسيطرة على منافذ مدينة عدن البرية والبحرية، ومداخلها أيضاً، وتحديداً الغربية والشمالية، إضافة إلى منطقة العلم، البوابة الشرقية للمدينة، التي منعت عبرها قوات «الانتقالي»، أمس، القوات البرية السعودية من الدخول إلى عدن.

احتمالات الحسم
بحسب مصادر «الأخبار»، فإن «المجلس الانتقالي» لم يتخذ قراراً بالإجماع في شأن المواجهة مع «الشرعية» (فريق هادي). وقبل ساعات من إعلان بيان إسقاط الحكومة، غرّد نائب رئيس «الانتقالي»، هاني بن بريك، على حسابه في «تويتر»، بأن «لا نية لاقتحام قصر معاشيق، وذلك لأنْ لا أحد فيه مِمَّن يطالب الشعب برحيلهم»، غير أن إصرار قيادات عسكرية وقبلية من خارج دوائر «الانتقالي»، محسوبة على قبائل يافع التي ينتمي إليها منير اليافعي ومعظم قتلى الخميس الماضي، أرغم بعض قيادات «الانتقالي» على إعلان النفير. والجدير ذكره أن تلك القيادات، وعلى رأسها الشيخ القبلي عبد الرب النقيب، والقيادي العسكري عبد الناصر البعوة، هي التي دعت إلى اعتصام مفتوح في ساحة خور مكسر، معلنة رفضها سياسات السعودية في الجنوب، ومشددة على ضرورة عودة ترسيم الحدود بينها وبين اليمن (محافظات اليمن الشمالية). هذه التحركات سحبت البساط من «المجلس الانتقالي»، خصوصاً أن الآلاف من الجنوبيين خرجوا إلى ساحة الاعتصام تأييداً لمطالب أبناء يافع، الأمر الذي جعل «الانتقالي» يذعن للدعوات المذكورة، محاولاً استغلال الجماهير الشعبية التي تجمعت بالقرب من مقر الحكومة لتحقيق حسم عسكري. وما يعزز الرواية المتقدمة، فتور المواجهات العسكرية بين الطرفين، على خلاف المعركة التي اندلعت في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، حين احتدمت المواجهة، مُخلّفة أكثر من 100 قتيل وجريح خلال أقل من 12 ساعة من اندلاعها.

الموقف السعودي
يبدو واضحاً الدعم العسكري والسياسي والإعلامي السعودي لحكومة هادي. لكن على رغم تحليق الطيران السعودي فوق قصر معاشيق، وتعزيزه بقوة سعودية، إلا أن الرياض لم تدخل في مواجهات مباشرة مع قوات «الانتقالي»، على أمل أن تفضي الحوارات التي يجريها السعوديون مع المجلس إلى وقف المواجهات. ويرى محللون أن الرياض مستعدة لخوض المواجهة مع «الانتقالي»، لحرصها على استمرار الحرب تحت ذريعة «شرعية الرئيس هادي»، واستخدام الجنوب منصة لمواجهة قوات «أنصار الله» وحلفائها في الشمال، إضافة إلى الحفاظ على مكتسباتها المتعلقة بالحدود وتموضعها في المهرة وحضرموت للوصول إلى بحر العرب.