تسعى السعودية، جاهدةً، إلى الحلول محلّ الإمارات في اليمن، وهي في هذا السبيل تعزّز حضورها عسكرياً في أكثر من منطقة في البلاد، لكن جهودها جنوباً تصطدم بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي أسّسته الإمارات، وينازع حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، الصلاحيات العسكرية والأمنية. في سباق مع الزمن، تبدو السعودية في محاولاتها ترويض الجنوب، قبيل الموعد المفترض لاستئناف مشاورات السلام بين حكومة هادي وحكومة صنعاء في أيلول/ سبتمبر المقبل. وبحسب محللين، تريد المملكة تقليم أظفار «الانتقالي» وإعادة هيكلته بما يتناسب مع سياساتها، خصوصاً في ظلّ مخاوفها من التقاط المجلس رسائل الهمس الديبلوماسية التي تمرّرها قيادة «أنصار الله» إليه بين الحين والآخر، من أجل فتح قنوات تواصل وحوار، يمكن أن تفضي إلى حلول في ما يخصّ القضية الجنوبية، بعيداً من إرادة «التحالف». والجدير ذكره، هنا، أن رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، كان حليفاً لـ«أنصار الله»، ويُعدّ أحد القاد الجنوبيين الذين تلقوا دعماً من صنعاء، وسهّلوا مرور قواتها إلى الجنوب قبيل اندلاع الحرب السعودية على اليمن.خلال الأسبوعين الماضيين، وسّعت السعودية من انتشارها في أكثر من مدينة جنوبية، ودفعت بقوات إلى مدينة المكلا ومنطقة الوادي في محافظة حضرموت، إضافة إلى نقلها أخرى من محافظة مأرب إلى مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، الخاضعة لقوات «النخبة الشبوانية»، الموالية لـ«الانتقالي». وفي محافظة أبين، دشّنت لواءً جديداً في مدينة لودر، بمحاذاة اللواء الموالي للمجلس في المدينة نفسها، توازياً مع دعوتها وزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، إلى الرياض، للاتفاق على تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الحكومة والسعودية بهدف إدارة «المناطق المحرّرة». كذلك، دفعت بأبرز الشخصيات السياسية الموالية لها إلى الواجهة للتحدث باسم القضية الجنوبية، وعلى رأس تلك الشخصيات رئيس الدولة الأسبق حيدر أبو بكر العطاس، ووزير الداخلية الأسبق حسين عرب، إضافة إلى رجل الأعمال اليمني الذي يحمل الجنسية السعودية عبد الله أحمد بقشان، الذي وصل إلى حضرموت في أول زيارة له منذ اندلاع الحرب.
قطعت الإمارات شوطاً كبيراً وسريعاً في تغيير أولوياتها في اليمن


في الموازاة، توقف عدد من السياسيين والإعلاميين المؤيدين لـ«الانتقالي» عن الترويج للمجلس، مطلقين دعوات إلى تقييم عمله، وهو ما بادر إليه مثلاً أحد مؤسّسيه، حسين لقور، قائلاً في تغريدة على «تويتر»: «الآن حان الوقت لكي يُقيَّم المجلس الانتقالي، ما عليه وما تحقق وما عجز عن تحقيقه». وبحسب معلومات «الأخبار»، تملك الرياض علاقات بقيادات «الانتقالي» منذ ما قبل الحرب، وعلى رأسهم رئيسه عيدروس الزبيدي، الذي جمعته بالجانب السعودي سلسلة لقاءات أول أيام الحرب، تمخض عنها تشكيل ما يسمى «المقاومة الجنوبية»، إضافة إلى نائبه هاني بن بريك، الذي عمل مع «اللجنة الخاصة السعودية» لسنوات في التعاون في مجال «مكافحة الإرهاب» في اليمن، قبل أن تتدخل الإمارات وتمدّ تلك القيادات بالمال والسلاح، وتؤطرهم في كيان سياسي. وانطلاقاً من ذلك، لا يستبعد محلّلون إمكانية استقطابهم مجدداً من قِبَل السعودية، وإشراكهم في مناصب قيادية ضمن حكومة هادي، وهو ما تُشتمّ رائحته من تسريبات سرت أخيراً عن تعديلات واسعة في تلك الحكومة. لكن مصادر مقربة من رئاسة هادي، نفت، في حديث إلى «الأخبار»، نيتها إشراك قيادات المجلس في الحكومة، ما لم تُسلَّم الأخيرة كل المؤسسات الواقعة تحت سيطرة «الانتقالي»، إضافة إلى دمج الميليشيات التابعة له بوزارتَي الدفاع والداخلية.
انطلاقاً مما تقدم، يبدو أن العهد الجديد في السعودية يسعى إلى إضعاف «الانتقالي» لمصلحة المكونات الأخرى الموالية للرياض، وعلى رأسها الائتلاف الذي يتزعمه رجل الأعمال صالح العيسي، إضافة إلى «المجلس الثوري»، خصوصاً في ظل ما يتسرّب عن مبادرات سلام تنصّ على تقاسم السلطة بين أربعة مكونات رئيسة هي: «أنصار الله» و«المؤتمر» و«الإصلاح» و«الحراك الجنوبي».

موقف أبو ظبي
قطعت أبو ظبي شوطاً كبيراً وسريعاً في تغيير أولوياتها في اليمن، بإيقافها معركة الساحل الغربي في الحديدة، وسحبها قواتها من هناك، وتجميعها أكبر قدر ممكن من القوات المحلية الأمنية والعسكرية، وإخضاعها لقيادة العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس علي عبد الله صالح. أما الميليشيات الباقية والمؤسسات الإعلامية والقيادات السياسية، فخُفِّضَت - بحسب معلومات «الأخبار» - ميزانيتها الشهرية، إضافة إلى التأخير في دفع المستحقات، في مؤشر على إمكانية وقفها مستقبلاً.
ويعتقد القيادي السابق في «المجلس الانتقالي»، نبيل عبد الله، في حديث إلى «الأخبار»، أن «أي دعم إماراتي للانتقالي لا يتعلق بالانسحاب، فهناك دول إقليمية تدعم مكونات يمنية من دون أن يكون لها وجود»، مشيراً إلى أن «الانتقالي قد يستفيد من خروج الإمارات في حال استمرار الدعم، وذلك ليتحرر من القيود المفروضة عليه». ويرى أن «الانتقالي سينتهي إذا توقف دعم الإمارات»، مستدركاً بأنه «حتى وإن استمر الدعم، فإن الانتقالي لا مستقبل له إلا بالتحول إلى حزب سياسي أو حتى مكوّن يتسم بالعقلانية والواقعية».
هكذا، بعد قرابة خمس سنوات من المراوحة، فضّلت أبو ظبي الحفاظ على حصتها في اليمن عبر البوابة السياسية، فيما تستمر الرياض بخوض المعركة على مسارَي الحرب والسياسة، حتى تحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي خضمّ هذه التحولات، يرى الناشط السياسي، أزال الجاوي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «المستقبل في الجنوب والشمال للمكونات السياسية التي اختارت مشروع مواجهة العدوان والتدخلات الخارجية»، معتبراً أن «مستقبل المكونات المرتبطة بالتحالف أصبح مجهولاً».