تكثّفت، خلال الأسابيع الماضية، جهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لاستئناف مشاورات السلام في السويد، بين القوى الوطنية في صنعاء وما يُسمى «الشرعية». وترافقت تلك الجهود مع تقدّم بريطانيا بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، يرتكز على الجانب الإنساني، ويطالب بهدنة مؤقتة في الحديدة، وإزالة العوائق أمام وصول المساعدات الإنسانية. وقد حُدّد أكثر من موعد لمناقشة المشروع، إلا أن السعودية، وعبر المندوب الكويتي في مجلس الأمن، عرقلت صدور القرار. ويوم أول من أمس، أبلغت الولايات المتحدة مجلس الأمن أنه ينبغي تأجيل التصويت على المشروع إلى حين إجراء محادثات السلام المقرَّرة في السويد أوائل كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وقالت البعثة الأميركية إن «من المهم أن تؤخذ في الاعتبار نتائج المحادثات الوشيكة في استوكهولم، والتي ستكون انعطافة مهمّة في العملية السياسية». وأضافت، في رسالة إلى الأعضاء الآخرين في المجلس، «(إننا) نتطلّع إلى تقديم تعليقات جوهرية على مشروع القرار، بمجرّد حصولنا على مزيد من المعلومات حول نتائج المشاورات المقبلة».يُفهم من ذلك أنه يُراد لمضمون القرار الدولي أن يكون نتيجة لمفاوضات السويد، بعد أن يكون الطرفان قد قدّما التنازلات المطلوبة، سواءً في الإطار العام أو في ما يتصل بمدينة الحديدة تحديداً، والتي أعلن غريفيث أخيراً أنه سيبدأ «مفاوضات تفصيلية» لوضع مينائها تحت إشراف أممي. وبالنظر إلى أن الظروف الدولية، والإخفاقات الميدانية، وحالة الحرج إزاء الوضع الإنساني الأسوأ على مستوى العالم، وكذلك الخلاف الأميركي الداخلي حول اليمن، تدفع جميعها تحالف العدوان إلى تقديم تنازلات، فإن واشنطن تسعى في ضوء ذلك إلى أن تكون نتيجة محادثات استوكهولوم هي نفسها القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن، بحيث لا تضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تقديم تنازلات مرتين. بمعنى آخر، يتحاشى الأميركيون تقديم تنازلات مسبّقة وبالمجّان في القرار الدولي، بما يمكن أن يجعل من الأخير مرجعية جديدة تنسف المرجعيات السابقة المرفوضة من قِبَل «أنصار الله».
بناءً على ذلك، يمكن تلخيص المشهد بمعطيَين:
أولاً: إن ثمة جدية في الوصول إلى السويد، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولهذه الغاية، أزالت الأمم المتحدة بعض العراقيل من أمام وفد صنعاء، ووعدت بإزالة ما تبقى، علماً بأن الموعد الذي تسرّب من الأمم المتحدة لانعقاد المحادثات هو الثالث من الشهر المقبل. إزاء ذلك، يُطرَح تساؤل حول ما إذا كان المطلوب انعقاد طاولة المفاوضات لمجرّد انعقادها، أو أن تشكّل بداية لمسار سياسي يوصل إلى التسوية النهائية. التسوية بحدّ بذاتها تمثّل انكساراً لهذا العدوان، ولذا فمن المستبعد أن ترضى دول العدوان بها ما لم يكن الضغط كبيراً جداً إلى الحدّ الذي لا يمكن تحمّله.
ثانياً: لا مؤشرات، إلى الآن، على وجود توجّه لتسوية سياسية تنهي الحرب بشكل نهائي، ولا يتضمّن مشروع القرار البريطاني في الأصل، ومن ثم التعليق الأميركي اللاحق عليه، ما يبيّن أن مفاوضات السويد سترتكز على قضايا الحل النهائي، بل سيكون التركيز على الجانب الإنساني – الاقتصادي، الذي بوشر العمل على علاجه جزئياً في الجلسة الأخيرة لـ«الرباعية» (السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا) في مقرّ ما يسمى «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» في الرياض في الـ23 من الشهر الماضي، حيث جرى التباحث في آليات دعم البنك المركزي اليمني، وذلك بعدما شهدت المحافظات الجنوبية تحركات احتجاجية على انهيار سعر العملة الوطنية، والتدهور الكبير في الوضع الاقتصادي.
في النتيجة، تفيد المؤشرات الحالية بوجود ممانعة لدى قيادة العدوان، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للحل النهائي، ورغبة في تقليص المسار التفاوضي وقصره على المسائل الإنسانية ــ الاقتصادية، وذلك لاعتبارات عديدة، منها ما له علاقة بالإدارة الأميركية نفسها التي تسعى إلى سحب الورقة الإنسانية من أيدي خصومها في الداخل الأميركي، ومنها ما يتعلّق بالحلفاء وهيبتهم في الإقليم. لكن ما يعترض الاقتصار على معالجة الجانب الإنساني هو أن المأزق بات كبيراً على المستويين السياسي والميداني، إلى الحدّ الذي تُطرح معه تساؤلات عن إمكان نجاح المشروع برمّته.