بعد صمت استمرّ قرابة 3 أيام منذ بدء زيارته إلى العاصمة اليمنية صنعاء مطلع الأسبوع الجاري، أطلّ المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، على الرأي العام بتصريحات غلب عليها طابع التفاؤل، وحملت إشادة واضحة بأداء حركة «أنصار الله» خلال المشاورات. ومع اختتامه هذه الزيارة إلى صنعاء، تتّجه الأنظار إلى «عواصم إقليمية» يُفترض أن يزورها غريفيث لاستحصال إجابة على ما في جعبته من مقترحات، وسط أجواء إيجابية أشاعها الرجل لدى مغادرته العاصمة. لكن، ومع ذلك، تبقى أيدي الجيش اليمني واللجان الشعبية موضوعةً على الزناد، تحسّباً لما يمكن أن يُقدِم عليه «التحالف» في حال أفضت عملية إعادة الحسابات التي يجريها راهناً إلى أن جولةً جديدة من المعارك في محافظة الحديدة يمكن أن تفضي إلى شروط تفاوضية أفضل مما تحوزه اليوم أبو ظبي والرياض.وعقد غريفيث، أمس، مؤتمراً صحافياً في مطار صنعاء الدولي، أعلن خلاله أنه أجرى لقاءات مع «قادة من أنصار الله وممثلين عنها وعن حزب المؤتمر الشعبي العام»، واصِفاً الرسائل التي تلقاها أثناء تلك اللقاءات بـ«الإيجابية والبناءة»، مؤكداً أن «جميع الأطراف أبدوا رغبتهم القوية في السلام، وتشاركوا معي أيضاً أفكاراً ملموسة لتحقيق ذلك». وخصّ المبعوث الأممي بالذكر لقاءه الأول من نوعه، منذ تعيينه في منصبه في شباط/ فبراير الماضي، مع قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، قائلاً: «(إنني) ممتنّ في شكل خاص للسيد عبد الملك الحوثي، الذي التقيته أمس، على دعمه والمناقشة المثمرة التي أجريناها». ووفقاً لمصادر مطلعة على المشاورات، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن اللقاء بين غريفيث والحوثي تمّ عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، جدّد خلالها قائد «أنصار الله» حرصه على «نزع الذرائع التي يتلطّى خلفها تحالف العدوان». وأشارت المصادر إلى أن اجتماع الرجلين والاجتماعات الأخرى التي عقدها المبعوث الأممي في صنعاء ناقشت خطة الأخير لاستئناف مفاوضات السلام، موضحة أن «أنصار الله» طلبت تعديلات وإضافات على الخطة المذكورة.
دعت «أنصار الله» إلى عدم التعويل على الأطراف الداخلية المرتبطة بالعدوان


وأضافت المصادر نفسها أن «أنصار الله» أبدت استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات شرط تأمين الأجواء الملائمة لذلك، ورفع «العقاب الجماعي» المفروض على المدنيين. ومن هنا، طالبت الحركة بوقف التصعيد العسكري، وصرف رواتب موظفي الدولة، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وفكّ القيود المفروضة على ميناء الحديدة، مُجدِّدةً في الوقت نفسه قبولها بدور رقابي للأمم المتحدة في الميناء. اللافت أن غريفيث لم يرسل، أثناء مؤتمره الصحافي، إشارات إلى استحالة تحقق تلك المطالب، بل إنه وصف ما سمعه من «أنصار الله» بـ«الأفكار الملموسة»، معتبراً أن إيجاد حلّ للوضع في الحديدة سيخلق «ظروفاً إيجابية لإعادة إطلاق محادثات سلام في الأيام المقبلة»، ما يعني ربما أن لديه معطيات حول إمكانية التوصل إلى إجراءات تسووية تعيد فتح الطريق أمام قطار المفاوضات. عند هذا المفصل، بدا لافتاً أن غريفيث لم يربط مصير مشاوراته الجارية حالياً بلقاء جديد سيعقده «قريباً» مع الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، حصراً، بل أعلن أيضاً أنه سيجري «محادثات في عواصم إقليمية» لم يحددها. وهو إعلان يمكن اعتباره تجاوباً مع تمني «أنصار الله» على المبعوث الأممي عدم التعويل «على الأطراف الداخلية المرتبطة بالعدوان لأنها مسلوبة القرار، ويستخدمها الغزاة والمحتلون شماعة لتدمير اليمن وتحقيق أهدافهم فيه، حتى لا تتكرر تجربة مفاوضات الكويت التي استخدمتها دول العدوان كفرصة للتحشيد نحو تصعيد جديد» على حد تعبير رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، خلال لقائه غريفيث أول من أمس.
بالنتيجة، يمكن استشفاف بوادر مُبشّرة من تصريحات غريفيث، خصوصاً أن المبعوث الأممي، الذي يُنتظر أن يتقدم اليوم بإحاطة جديدة إلى مجلس الأمن الدولي، أكد بنفسه «(أنني) مطمئن إلى حد كبير». لكن تلك البوادر لا تنفي احتمال انهيار جهود السلام مجدداً، والعودة إلى المربع الأول، لا سيما أن قيادة «التحالف» لم تُقدِم إلى الآن على إجراء عملياتي يمكن اعتباره علامة حسن نية، باستثناء وقفها الهجمات البرية في الحديدة، وسماحها بانسحاب المقاتلين المتحدرين من المحافظات الجنوبية (تحديداً) من جبهة الساحل. انطلاقاً من ذلك، كان حرص «أنصار الله» على إحاطة زيارة غريفيث ومجريات لقاءاته بقدر من التكتم، بحسب ما تفيد به مصادر مطلعة «الأخبار»، مبيّنة أن الحركة لم تكن تريد لأي نقاش سياسي أن يؤثر في عمليتي التحشيد والتعبئة المتواصلتَين باتجاه الساحل الغربي، تحسّباً لجولة جديدة يمكن أن تكون أبو ظبي والرياض في طور الإعداد لها. تحسّب يرافقه استمرار سلطات صنعاء في صياغة رسائل ردع إضافية، تجلّى آخرها أول من أمس في إماطة اللثام عن «منصات إطلاق صواريخ باليستية تحت أرضية»، مع ما يعنيه هذا الكشف من «توسيع للخيارات الصاروخية» بحسب بيان صادر عن القوة الصاروخية في الجيش واللجان. وأشار البيان إلى أن «ما يردده العدو عن تدمير منصات الصواريخ الباليستية لا يعكس إلا إفلاساً وتخبطاً»، داعياً إياه إلى أن يدرك «أن كل منصات الصواريخ الباليستية بعيدة جداً من أن تنالها طائراته».