على رغم خسارتها الرجل الأول فيها، الرئيس الشهيد صالح الصماد، لا يبدو أن سلطات صنعاء في وارد التخلي عن مشروع بناء الدولة الذي أطلقه الشهيد، واعتبره تحدّياً في مواجهة دول تحالف العدوان الذي دخل عامه الرابع. كما لا يظهر أن «أنصار الله» وحلفاءها مستعدون لتكرار تجربة الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي استطاعت السعودية اغتيال مشروعه، مشروع الدولة المدنية الحديثة، باغتياله في عملية مدبرة في سبعينات القرن الماضي. اليوم، يؤكد أطراف الجبهة المناهضة للعدوان أنهم ماضون في تنفيذ مخطط الرئيس الصماد الذي يقوم على ركيزتين رئيستين: الأولى توحيد الجهود الوطنية لتعزيز صمود الشعب اليمني وإعادة بناء مؤسسات الدولة، والأخرى مواصلة العمل على تأهيل الجيش وتزويده بمهارات قتالية نوعية، فضلاً عن الاستمرار في التصنيع العسكري حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسلحة كافة. هذا المخطط كان أعلنه الرئيس الصماد في الـ26 من آذار/ مارس الماضي، تحت شعار «يد تحمي ويد تبني». وقال الشهيد، في حينها، في كلمة أمام المحتشدين بمناسبة الذكرى الثالثة لاندلاع العدوان، إن «مشروع بناء الدولة يُعدّ عنواناً لمرحلة جديدة من مقاومة العدوان على المستويات كافة». إعلانٌ قوبل بتأييد شعبي ورسمي واسع النطاق، حيث اعتبرته حكومة الإنقاذ «مشروع تحدٍّ ينطلق من تقييم الوضع الحالي بعد ثلاث سنوات من العدوان والحصار، ويستوعب جميع الأخطار المفروضة على الشعب اليمني، والتي تتطلب المواجهة على المستويات كافة». كذلك، أعلن المكتب السياسي في «أنصار الله» تأييده مشروع الصماد، عادّاً إياه «السلاح الأكثر فعالية وقوة في مواجهة العدوان، وهو الحلم الذي يطمح إليه أبناء الشعب اليمني بكل توجهاته وفئاته ومكوناته»، مشدداً على «أهمية تضافر الجهود الرسمية والشعبية لتحقيق غايات هذا المشروع الوطني».

محدّدات المشروع
المشروع الذي «تسنده الجبهات ويسند الجبهات» على حد توصيف الرئيس الصماد، قوامه «إيجاد دولة مدنية من أجل الشعب، لا شعب من أجل الدولة». هدفٌ يُفترض أن يتم العمل على تحقيقه من خلال جملة استراتيجيات وتكتيكات يتصدرها ما يلي: مقاومة التدمير بالتعمير، مواجهة الحصار الاقتصادي بالاتجاه نحو الاقتصاد المقاوم، توظيف الإمكانات المتاحة في تحقيق اكتفاء ذاتي بالتدرج، مقاومة الحرب المالية المتمثلة في مصادرة موارد الدولة من ضرائب وجمارك وعائدات نفطية من قِبَل الموالين للعدوان بتحسين موارد الدولة المتاحة، فتح المجال أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، تشجيع رؤوس الأموال الوطنية، مكافحة الفساد المالي والإداري في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى، والانتقال من الحفاظ على مؤسسات الدولة إلى تعزيز دورها الخدمي والتنموي.
أُعلن عن مشروع «يد تحمي ويد تبني» في الذكرى الثالثة للعدوان


كذلك، يتضمن مشروع الصماد خطوات للتخلص من إرث عملية إعادة الهيكلة التي تعرضت لها مؤسسة الجيش بموجب المبادرة الخليجية ما بين عامي 2012 و2014، والتي أدت عملياً إلى تفكيك الجيش وتعطيل سلاحه. وهي خطوات أطلقها عملياً الرئيس الشهيد قبيل اغتياله، وبلغ بها ذروتها خلال العام الماضي، توازياً مع عمله على مواجهة القرار 2216 الذي يحرم اليمن من استيراد السلاح، وذلك عبر الدفع بعجلة التصنيع العسكري المتوقفة منذ أكثر من خمسين عاماً. وقد أكد الرئيس الشهيد، خلال حضوره لقاءً موسعاً في محافظة ذمار وسط البلاد قبيل أيام من استهدافه، أن اليمن أصبح اليوم مكتفياً ذاتياً من عدد كبير من الأسلحة بفضل تفعيل الصناعات العسكرية والصاروخية والاستفادة من الخبرات الوطنية. تصريحٌ أعقبه الكشف عن مدفع «رجوم» محلي الصنع برعاية الصماد، بعد تدشين عدد من منظومات الصواريخ محلية الصنع، والتي انتقلت من مديات قصيرة إلى صواريخ باليستية طويلة المدى.
ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، كان لا بد من توحيد الجهود السياسية والاجتماعية، وحفظ الجبهة الداخلية من الاختراق، كضرورة لتنفيذ مشروع بناء دولة النظام والقانون، وفقاً لما اقتضاه مخطط الصماد، ومن هنا جاء عمل الرئيس الشهيد الدؤوب على إزالة التباينات وحل الخلافات، بغية قطع الطريق على أي مشاريع تخريبية تستهدف الأمن والاستقرار والسكينة العامة.

الرد السعودي
مشروع الصماد، الذي عبّر عن وجود إرادة سياسية حقيقية لإحداث تغيير جذري في اليمن، اعتبرته دول تحالف العدوان خطراً يتهدّدها، لا يقلّ عن خطر الصواريخ الباليستية التي طاولت الرياض في عهد الرئيس الشهيد وغيّرت المعادلة العسكرية. إذ رأت الرياض في المشروع توطئة لتقويض آخر ما تبقى لها من فرص لفرض وصايتها على اليمن، ووسيلةً لتدعيم وجود «أنصار الله» في السلطة، خصوصاً أن المخطط لقي تأييداً شعبياً ورسمياً، في قبالة فشل ملحوظ ومتواصل لحكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
وفي ما بدا رداً أولياً على إعلان المشروع، توعّد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بإحداث انشقاقات داخل «أنصار الله». وهو توعّد أعقبه بروز تحوّل في وضع حكومة هادي في المحافظات الجنوبية، حيث سُمح لها بالعودة وممارسة نشاطاتها، في محاولة سعودية لإيهام المجتمع الدولي بأن ثمة حكومة تسيطر في الجنوب، خصوصاً أن هذه العودة تزامنت مع إشادة وسائل إعلام ومنظمات دولية بإدارة المجلس السياسي الأعلى لشؤون المحافظات الواقعة تحت سيطرته كسلطة أمر واقع، وكذلك مع استقبال سلطات صنعاء عدداً من الوفود الديبلوماسية الأوروبية للمرة الأولى، ومسؤولين كباراً من الأمم المتحدة، فضلاً عن المبعوث الأممي الجديد، مارتن غريفيت، الذي التقى الصماد قبيل اغتياله، في اعتراف ضمني بشرعية المجلس السياسي.

مشروع الشعب
أعادت جريمة اغتيال الصماد إلى أذهان اليمنيين ما تعرّض له الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1978، حيث تمّ اغتياله بأيادٍ محلية، بعدما بذلت السعودية مليارات الريالات لشراء الذمم في مواجهته، وضمان إنهاء مشروعه، الذي استطاع بما قُيّد له من حياة نقل اليمن من حالة العجز والفقر إلى النمو الاقتصادي، حتى أصبح اليمن الشمالي في عهد الحمدي واحداً من الدول العشر الأكثر نمواً في العالم.
استحضار هذه التجربة ولّد حافزاً قوياً على المستوى الشعبي للتمسك بمشروع الصماد، في وقت أعلنت القيادة الجديدة للمجلس السياسي الأعلى تبنّيها المشروع، معتبرة إياه جزءاً من الرد على الجريمة، وواعِدةً بتوجيه الجهود كافة نحو تنفيذه، وفق ما تعهّد به الرئيس مهدي المشاط خلال أدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان اليمني. وهو ما يعني، في حال تحقّقه، توجيه ضربة مؤلمة للرياض التي تعمّدت إفشال جميع مشاريع التحديث الوطنية في اليمن، ووقفت ضد كل الاتجاهات الحكومية الهادفة إلى تحقيق تنمية مستدامة في هذا البلد خلال الخمسين عاماً الماضية.