تتصاعد وتيرة الاغتيالات الموجهة ضد رجال دين بارزين في مدينة عدن. فجر يوم السبت، أقدم مسلحون على تصفية الشيخ عادل الشهري، وهو من مشائخ السلفية التي تختلف مع المدرسة السلفية التي ترعاها دولة الإمارات في اليمن بقيادة الوزير المقال الشيخ هاني بن بريك. مقتل الشهري جاء بعد أيام من اغتيال الشيخين: ياسين العدني، وفهد اليونسي، وهما من المشائخ الذين رفضوا الانخراط ضمن المشروع السلفي الجديد الذي فصّلته الإمارات على مقاسها، منذ سيطرتها على عدن، عقب إخراج مقاتلي حركة «أنصار الله» من المدينة في آب/أغسطس من عام 2015.
منذ أن وضعت الإمارات يدها على مدن جنوبي اليمن، شرعت في تأسيس قوات «الحزام الأمني»، وهي وحدات عسكرية ضاربة في عدن، قوامها أكثر من عشرة آلاف مقاتل، أوكلت قيادتها إلى الشيخ السلفي هاني بن بريك. وفور تسلم مهمته، أعلن الحرب على كل الحركات الدينية في الجنوب، التي تختلف مع المدرسة السلفية التي يقودها فكرياً، ومن تلك الجماعات جماعة «الإخوان المسلمون» و«جمعية الحكمة اليمانية»، إضافة إلى «جمعية الإحسان الخيرية»، ووجّه بن بريك اتهامات إلى المساجد التي تخضع لتلك الجماعات بـ«تفريخ الإرهابيين».
بعد ذلك، بدأ مسلسل التصفيات لأهم خطباء تلك المساجد وأئمتها. في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، اغتيل إمام «جامع ابن القيّم»، الشيخ رآوي العريقي، بعد خطبة حذر فيها من «تنفيذ الأجندة الخارجية التي تسعى إلى جرّ عدن للفوضى والصراع». وفي نيسان/أبريل من عام 2016، اغتيل مسؤول «مركز الفيوش» بعد رفضه إصدار فتوى تجيز «الانخراط في القتال ضد مقاتلي حركة أنصار الله».
ونُفذت عمليات اغتيال أخرى طاولت كلاً من صالح بن حليس، وياسر الحمومي، وعلي عثمان، وجرت تصفية إمام «جامع زايد» الشيخ ياسين العدني، الذي أرسل عدة رسائل، تضمنت «مناصحة» للشيخ بن بريك، تحثّه على «الرجوع إلى منهج السلفية، وترك تجييش الشباب للقتال ضمن القوات التي تدعمها الإمارات».

حاولت قوات
الإماراتيين تصفية الجنوب من السلفيين المختلفين معهم
ووفق معلومات «الأخبار»، فإنّ اغتيال الأمين العام المساعد لـ«هيئة إفتاء عدن» إمام «جامع الصحابة» الشيخ فهد اليونسي، جاء بعد طلب تقدّم به هاني بن بريك، بتسليم الجامع والخروج من عدن، وقوبل الطلب بالرفض من قبل اليونسي.

نفي وتنكيل

تعدّدت أساليب التنكيل بالقيادات الدينية في الجنوب، بين النفي والسجن والاغتيال. ومنذ دخول «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية في اليمن أواخر آذار/ مارس من عام 2015، وتوكيل الإمارات بمهمة إدارة الجنوب، أُخرِج عدد من المشائخ والرموز الدينية إلى المملكة السعودية، التي وضعتهم تحت الإقامة ومنعتهم من السفر، ومنهم: رئيس «الهيئة الشرعية والإفتاء» الجنوبية الشيخ حسين بن شعيب، ورئيس «جمعية الحكمة الخيرية» الشيخ عمّار بن ناشر، ونائبه الشيخ جمال البكري، وخطيب «جامع الصديق» الشيخ أنور دحلان، ونفّذت حملة اعتقالات طاولت مشائخ آخرين، منهم: رئيس «جمعية الإحسان» الشيخ عبد الله اليزيدي، ومدير «مؤسسة الرحمة الخيرية» الشيخ أحمد بن رعود، إضافة إلى الشيخ محمود البيضاني، والشيخ عادل الحسني، والشيخ ياسر القدس.
حاولت القوات المحليّة المدعومة من الإمارات تصفية الساحة الجنوبية من تلك المدارس السلفية، التي توصف بـ«السلفية السياسية»، أو «الحركية»، والتي تؤيد الدخول والمشاركة في الحكم عبر تأسيس أحزاب إسلامية، كحزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان اليمن)، أو «حزب الرشاد» السلفي. إلا أنّ إخراج تلك الحركات يأتي لمصلحة السلفية التي ترعاها الإمارات في اليمن، والتي لا تؤمن بالعمل السياسي، وتتعامل مع رئيس البلد كـ«وليّ أمر تجبُ طاعته».

ردود الفعل

بعد موجة التصفيات التي طاولت العشرات من القيادات الدينية البارزة، أصدرت الأحزاب اليمنية والمنظمات السياسية بيانات تستنكر تلك الاغتيالات. ورأى رئيس «الهيئة الشرعية» الشيخ حسين بن شعيب، أنّ «تلك الأعمال ستؤدي إلى نتائج وخيمة»، فيما دعا الشيخ هاني اليزيدي، وهو مسؤول في السلطة المحلية بمدينة عدن، إلى «تشكيل لجان أمنية للدفاع عمّن بقي من رجال الدين والرموز الدعوية». وناشد الأمين العام لـ«حزب الرشاد» السلفي، الشيخ محمد البيضاني، من جهته، المشائخَ وأئمة المساجد من أجل تأمين حياتهم بـ«بعدم تأدية صلاة الفجر في المساجد».
أيضاً، أصدر عدد من المكونات السلفية والدعوية بياناً، جاء فيه أنه «على الرغم من بشاعة وشناعة هذه الجرائم، إلا أنه، وإلى يومنا هذا، لم يُلقَ القبض على معظم المجرمين الذين قاموا بعمليات الاغتيال، ولم يُقدَّم مَن أُلقيَ القبض عليهم إلى الأجهزة القضائية، ولم يُكشَف عن الجهات التي تقف وراء هذه الأعمال الإجرامية، والتي يبدو لمن لديه أدنى بصيرة أنها أعمال ممنهجة تهدف إلى تقويض السلم الأهلي وزعزعة أمن واستقرار مدينة عدن والبلاد عموماً».
على الرغم من أنّ الجهات الأمنية الرسمية المدعومة من قبل الإمارات تتهم «الجماعات الإرهابية» بتنفيذ تلك العمليات، فإنّ الجماعات السلفية تستبعد أن يكون لـ«داعش» و«القاعدة» علاقة بتلك الاغتيالات، وتؤكد تلك الجماعات أن «من بين 11 عالم دين قُتل يوجد فقط اثنان منهم كانا يعملان مع التحالف العربي، وهما: القيادي في قوات الواجب والدعم للتحالف الشيخ فائز عبده الضبياني، ومدير سجن المنصورة الشيخ وهاد نجيب، وبعد مقتلهما باشر تنظيم داعش بتبني العمليتين». فيما يذهب محللون إلى أنه قد يكون هناك طرف ثالث على علاقة بالتصفيات، مستفيداً من الخلاف الدائر من أجل إدخال عدن في دوّامة من الصراع.
هكذا، خيّم الرعب على أئمة المساجد ورجال الدين في عدن، مع عجز حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، عن حمايتهم. وأطلق عدد من العلماء دعوات تطالب بالنزوج إلى الأرياف، خوفاً من «زوّار الفجر» الذين ينفذون عملياتهم باحترافية خطيرة، تمكنهم من دفن آثار الجريمة بعد وقوعها، وتحميل الجريمة لعناصر مجهولة، دون أن تتخذ السلطات الأمنية أبسط الإجراءات.




صنعاء آمنة للسلفيين!

يعيش مشائخ السلفية في العاصمة صنعاء والمدن الشمالية الخاضعة لسيطرة «أنصار الله»، حياتهم الطبيعية، ويمارسون نشاطهم في مساجدهم ومراكزهم التعليمية، ويوجد لجمعيتي «الإحسان» و«الحكمة» فروعهما في صنعاء.
وفي مدينة معبر لا يزال الشيخ السلفي محمد الإمام، يدير أكبر مركز دعوي للسلفية في اليمن، ويمارس رئيس «جمعية الحكمة» في إب الشيخ محمد المهدي، نشاطه في مسجد ومعهد تعليمي يضم مئات الطلاب. كذلك، أعلن الشيخ السلفي محمد طاهر أنعم، ترحيب السلطات في صنعاء بـ«السلفيين الذين يخشون على حياتهم في عدن»، بشرطين: «عدم تأييد العدوان على البلد، وعدم تأييد فكر داعش أو أعمالهم». وقال أنعم إن قيادات «أنصار الله» التزموا أن «يوفروا الحماية الشخصية والأمنية لمن يريد من إخواننا العلماء السلفيين المهددين بأي شكل من الأشكال، ومن دون أي شروط أو تدخلات في فكرهم وآرائهم».
وأضاف: «في زيارتي لصعدة قبل سنة وتواصلي الشخصي بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لإطلاق بعض المشايخ السلفيين، مثل العلامة عبد المجيد الهتاري، والشيخ عبد الرحمن البريهي، قال لي شخصياً إنّ من حقهم أن يدرسوا ويحاضروا بما يريدون ودون أي تدخل في فكرهم أو رأيهم».