يبدو واضحاً أن عدداً من المسؤولين في الأمم المتحدة، ليسوا قادرين بعد اليوم، على «ابتلاع» الجرائم السعودية المرتكبة بحق اليمنيين، بالرغم من الدعم الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي للعدوان، وبرغم صمت المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأردني زيد بن رعد الحسين، الذي لم يصدر عنه أي انتقاد صريح للانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق أحد أفقر شعوب الأرض وأضعفها.
فبعد ٧ أسابيع من البطش السعودي الأعمى، بدأ الهمس يتحول إلى انتقادات علنية تحرج واشنطن التي لا تزال تستفيد مما يجري، سواء لجهة بيع السلاح للسعودية وجاراتها، أو بالضغط على جماعة «أنصار الله» وحلفائها في ملفات عدة. وفي وقتٍ يزداد فيه الحديث عن اقتراب انطلاق مفاوضات سياسية رغم عدم وضوح شكل هذا الحوار حتى الآن، توضح معطيات عدة كيف أفشلت الرياض كل المحاولات السابقة للعدوان للتوصل إلى اتفاقٍ ينهي الأزمة التي اندلعت في البلاد، مع استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح.
فريق المبعوث الجديد
مفصل على مقاس
واشنطن والرياض

في حديث إلى «الأخبار»، يشرح دبلوماسي واسع الاطلاع على الملف اليمني كيف أفشلت السعودية الحوار في اليمن بعدما شارف على الاكتمال بحلّ سياسي يحظى برضى كل الأطراف. وبعدما أوشك الجميع على تبنيه رغم مماطلة حزبي «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمون) والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وهو ما كان قد لمّح إليه المبعوث الدولي السابق إلى اليمن، جمال بن عمر، الذي أبعدته السعودية وحلفاؤها عن منصبه. وقال الدبلوماسي إن المفاوضات التي دامت تسع أسابيع متواصلة، جرى خلالها تقريب وجهات النظر في وقتٍ لم تتوقف فيه السعودية عن تسليح قبائل قريبة من تنظيم «القاعدة» وتمويلها وإرسال المقاتلين عبر الحدود لمساندتها. كذلك، جرى في تلك الأثناء فتح فرع تنظيم «داعش» اليمن الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي نفذ في مسجد بدر في صنعاء في ٢٠ آذار الماضي.
آنذاك، جرى التوصل إلى اتفاق حول كل الأمور، والجميع كان قاب قوسين أو أدنى من حسم نقطة خلافية أخيرة تتعلق بصيغة الرئاسة اليمنية وتوزيع صلاحياتها. كان أمامهم اتفاق من شقين، الأول يقضي بعودة الرئيس اليمني الفار عبد ربه منصور هادي إلى الرئاسة، ليكون معه نواب رئيس يتمتعون بصلاحيات فعلية، أو يشكل مجلس رئاسي تحت رئاسة هادي يشارك فيه عدد من النواب عن الأحزاب اليمنية الرئيسية. وتضمن الاتفاق تأسيس سلطة تشريعية بإنشاء مجلس مؤلف من غرفتين: مجلس نواب ومجلس شعبي انتقالي.
أما الشق الثاني فقد شمل التفاهم الأمني، وكان مقرراً فيه أن تتخلى «أنصار الله» عن سلاح الجيش وتُخلي المؤسسات الحكومية، ثم تسحب «اللجان الشعبية» من الشوارع كافة، وفي مرحلة أخيرة تتنازل عن «الإعلان الدستوري» الذي تبنته عقب الفراغ في الرئاسة والحكومة، وتعود إلى اتفاق «السلم والشراكة» المقبول من المجتمع الدولي ومن دول الخليج. وبذلك تحل كافة الإشكالات السياسية باستثناء قضية الأقاليم الستة التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني، وكانت السبب الأساسي في النزاع مع «أنصار الله».
وحتى هذه النقطة كانت في طريقها إلى الحل من خلال المفاوضات التي رعاها بن عمر، حيث جرى التوصل إلى اتفاق مرحلي يعالج هذه القضية من خلال تعيين لجنة فنية لدراسة صيغة جديدة، على أن تقدم نتائجها إلى الهيئة الوطنية التي تراقب تطبيق مخرجات الحوار الوطني وتنفيذها، على أن تحلّ هذه اللجنة التي باتت تشريعية انتقالية البرلمان اليمني (مضى ١٣ عاماً على انتخاب أعضائه ولم يعد يحظى بقبول الأطراف كافة).
قطع الحوار بين القوى اليمنية برعاية المبعوث الدولي السابق جمال بن عمر، أشواطاً كبيرة ووصل إلى نقاط خلاف ضيقة كان يمكن حلها خلال أيام قبل العدوان. حينها، وافقت دول مجلس التعاون الخليجي على المقترح، على أن يستكمل ويُعلَن في الدوحة التي كانت ترأس مجلس التعاون الخليجي في حينها. بعدها تُمنح الرياض «شرف» استضافة توقيعه، لكونها الراعية للمبادرة الخليجية. بدت الأمور كلها متجهة نحو التفاهم على هذا الأساس، لكنها تبدلت بعد ذلك بسرعة بإعلان السعودية الحرب على اليمن.
ويضيف الدبلوماسي أن السعودية لم تكن يوماً حريصة على الحل السياسي في اليمن. ورغم صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢١٦ الشهر الماضي، والذي دعم بن عمر، وضعت الرياض كل العراقيل أمامه وفرضت تعيين المبعوث الجديد إسماعيل ولد شيخ أحمد الذي يتحرك كما لو أن كل الاتفاقات السابقة مُلغاة. عزل المبعوث الموريتاني الجديد معظم الطاقم القديم الذي تابع كل المفاوضات مع بن عمر، وأحضر طاقماً جديداً مفصلاً على مقاس الرياض وواشنطن. وتؤكد المعلومات أن ولد شيخ أحمد سمع في الرياض كلاماً رافضاً متشدداً يلغي دوره الوساطي في حلّ الأزمة، حيث قال له وليّ وليّ العهد، محمد بن سلمان إنه يرفض أي دور لـ«أنصار الله» قبل أن يتخلوا عن سلاحهم وينصاعوا لشرعية عبد ربه منصور هادي دون قيد أو شرط.
يقف المسؤول الدولي في موقعٍ لا يحسد عليه، لأنه يدرك أن الوقائع على الأرض لا تستطيع فرض منطلقات حوارية ضمن هذا السقف. فلا «أنصار الله» خسرت الحرب، ولا السعودية وحلفاؤها كسبوها، بالتزامن مع ازدياد قلق واشنطن من التحالفات اليمنية التي تمولها الرياض وتسلحها. كذلك إن صمت المبعوث الموريتاني على ما يجري من مجازر يفقده أي صدقية دولية بعدما ارتفعت أصوات المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، منددةً بتصرفات الرياض ومتهمة إياها بارتكاب مجازر وحشية.