كم كنا قريبين من التأهل إلى كأس العالم. هي العبارة التي رددها اللبنانيون بحسرةٍ وندم مراراً منذ نهاية تلك التصفيات المؤهلة إلى نسخة عام 2014 في البرازيل.الحلم المونديالي كان قائماً دائماً، انطلاقاً من الاهتمام المشترك الأزلي للبنانيين بكأس العالم حيث توزّعت انتماءاتهم بين المنتخبات العالمية المختلفة، وذلك لتعويض النقص الكروي الذي أصابهم بعدم تأهل منتخب بلادهم ولو لمرةٍ واحدة إلى أكبر تظاهرة كروية يشهدها العالم مرة كل 4 سنوات.
لكن هناك في المونديال ما بحث عنه اللبنانيون بدلاً من الضائع. بحثوا عن أسماءٍ تمثّلهم، وتغنّوا بها ولو أنها كانت ترتدي قميص منتخبٍ آخر، وتنشد نشيده، وتقبّل شعاره، وتحكي لغته الخاصة وتحتفل مع شعبه.
أسماءٌ لبنانية الأصل ارتبطت بشكلٍ أو بآخر بالوطن الأم، إن كان عبر أسماء شهرتها، أو الدماء التي تسير في عروقها، أو من خلال العادات التي حافظت عليها عائلاتها. كما أن بعضها عرف جزءاً لبنانياً منه من خلال والدته.
حضر لبنان غالباً في كؤوس العالم عبر ابناء المهاجرين الى القارات المختلفة (تصميم: رامي عليّان)

واللافت أن هذه الأسماء اللبنانية لم يكن حضورها عادياً بل إنها تركت بصمةً أو عرفت شهرةً من خلال كأس العالم.
اللبنانيون في قطر
في المونديال الحالي، برز اسم رودريغو الأسمر. هذا الطبيب يبدو صاحب شخصية قوية، إذ من غير المسموح أن يخرج أحد إلى العلن للحديث عن الوضع الطبي للاعبين غيره. هو الذي أطل في مؤتمراتٍ صحافية عدة منذ بداية البطولة موضحاً بدقة إصابات هذا اللاعب أو ذاك ومدة غيابه عن المباريات.
الجراح البرازيلي ذو الأصول اللبنانية هو صانع العجائب عند إصابة كل نجمٍ، تماماً كما فعل في نسخة عام 2002 مع «الظاهرة» رونالدو الذي عانى من إصابةٍ في الركبة، وكذا في كل مرّة أصيب فيها النجم الحالي نيمار، وتحديداً قبل مونديال روسيا 2018 عندما أجرى له عمليةً جراحية لمعالجة كسر في قدمه.
4 أسماء في مونديال قطر 2022 تجري في عروقهم دماء لبنانية


براعة رودريغو لم تأتِ من عدم بل إنه ورثها من والده الطبيب نايلور الأسمر، وهو كان مسؤولاً أيضاً عن الجهاز الطبي للمنتخب البرازيلي بين عامي 1982 و1986 حيث عاصر نجوماً كباراً مثل زيكو وسقراطيس وقام بمعالجة إصاباتهم الصعبة فاكتسب شهرةً كبيرة، ووُصف بأنه من نجوم «السليساو» تماماً كاللاعبين.
ومع المنتخب الفرنسي، أطل ويليام صليبا مسجّلاً أول ظهورٍ مونديالي له في مواجهة تونس. المدافع القوي وُلد في فرنسا من أبٍ لبناني وأمٍ كاميرونية، وهو يعيش هذه الأيام أفضل فترات مسيرته، حيث يتألق مع أرسنال الإنكليزي، وكسب مكاناً مستحقاً في تشكيلة المدرب ديدييه ديشان، وهو في سن الـ 21 يعدّ أحد المدافعين الذي سيؤمّنون خط الدفاع لبطل العالم مستقبلاً.
صليبا صاحب الملامح الأفريقية ليس الوحيد الذي تجري في عروقه دماء لبنانية ويتواجد في مونديال قطر، بل هناك نجما المنتخب الغاني أندريه وجوردان أيو، وهما وُلدا من أبٍ شهير هو أبيدي بيليه، أفضل لاعب أفريقي 3 مرات متتالية، وأمٍ لبنانية هي مهى الخالدي.

أبطال للعالم
وسبق لأسماءٍ لبنانية أن بلغت الساحة المونديالية في نسخات سابقة لا بل إن بعضها عرف المجد المطلق برفعه الكأس الذهبية.
مونديال 2018 شهد مشاركة ميغيل ليّون مع المنتخب المكسيكي، وهو المتحدّر من قرية بيت ملات العكارية التي تركها والده أرتورو يوسف ليّون خلال الحرب الأهلية ليستقر في فيراكروز الواقعة على بعد 200 كلم شرق العاصمة نيو مكسيكو.
ظهور ميغيل أساسياً في تشكيلة المنتخب الأميركي الشمالي أحدث حالةً خاصة في لبنان قبل 4 سنوات، حيث تسابقت وسائل الإعلام إلى محاولة إيجاد أي من أقاربه في عكار، والبحث عن قصة وصوله إلى المكسيك التي تضم آلاف المواطنين ذوي الأصول اللبنانية، والذين برزوا في كرة القدم، أمثال الدولي السابق ميغيل صبّاح، ولاعب المنتخب الأولمبي سابقاً خيرونيمو أميوني الذي حاول الاتحاد اللبناني استعادة جنسيته من دون أن ينجح بهذا الأمر قبل سنوات لأسبابٍ لوجستية، بينما انضم دانيال لحود أخيراً إلى صفوف «رجال الأرز»، وهو الذي وُلد في كنف عائلة لبنانية لكنه لا يعرف أي كلمة من اللغة العربية.
كذلك، عرف المونديال الماضي مشاركة للمهاجم أندرو نبّوت مع المنتخب الأسترالي الذي فضّل الدفاع عن ألوانه رغم المحاولات اللبنانية لإقناعه باللعب مع منتخب لبنان.
وقبلهما لعب الحارس فريد موندراغون علي مع منتخب كولومبيا في كأس العالم 1994، 1998 و2014، وكان أحمد الطرابلسي الحارس الأساسي لمنتخب الكويت في مونديال 1982.
كما شهد مونديال 2002 ظهور كلاوديو حسين مع الأرجنتين، وهو الذي لُقّب بـ «إل توركو» أي التركي رغم أصوله اللبنانية، ولعب بيار عيسى مع منتخب جنوب أفريقيا في نفس المونديال بعدما مثّلها أيضاً في نسخة 1998 التي دخل تاريخها ولو من الباب الضيّق عندما سجل خطأ في مرماه مرتين خلال اللقاء أمام فرنسا التي عادت وفازت باللقب للمرة الأولى في تاريخها.
إذاً أسماء نقلت لبنانيتها إلى أهم حدثٍ كروي، لكن اسمين فعلا ما لم يمكن بمقدور أحدٍ أن يحققه، إذ كتب البرازيلي ماريو زاغالو أو ماريو زكور المتحدّر من زحلة، اسمه بأحرفٍ من ذهب ليصبح خالداً في تاريخ اللعبة، وذلك بعدما أحرز كأس العالم مرتين كلاعب عامي 1958 و1962 ومرتين كمدرب عام 1970 وكمدرب مساعد عام 1994، وهو المونديال الذي شهد تألق الظهير الأيسر كلاوديو إبراهيم فاز ليال المعروف بـ «برانكو»، فكان هدفه الذي لا ينسى في مرمى هولندا جزءاً من دوره الأساسي في تطريز نجمة مذهّبة رابعة على قميص «السيليساو».