كثيرة كانت الظواهر الغريبة في مونديال روسيا 2018 وإحداها كان عدم وجود أي منتخب أفريقي في أدوار خروج المغلوب التي وصلت إلى نصف النهائي. المنتخبات الأفريقية الخمسة فشلت جميعها في بلوغ دور الـ 16. كان ذلك مفاجئاً ويحصل للمرة الأولى منذ مونديال إسبانيا عام 1982. كانت التوقعات بأن يتأهل إلى الدور الثاني منتخبان أفريقيان على الأقل بحسب القراءة الأولية لواقع المجموعات وهما مصر والسنغال، باعتبار أن منتخبات تونس والمغرب ونيجيريا جاءت في مجموعات في غاية الصعوبة. لكن أيّ منتخب لم يستطع الحضور بين المنتخبات الـ 16 المتأهلة. لعب الحظ وعدم التوفيق دوره طبعاً في الفشل في التأهل، لكن هذا لا يمنع وجود أسباب جوهرية أخرى. السنغال خرجت بطريقة قاسية بنظام البطاقات الصفراء. نيجيريا تلقّت هدفاً أرجنتينياً في الدقيقة 86 أطاح بحلمها المونديالي. المغرب قدّمت أداء مميزاً في مبارياتها الثلاث رغم صعوبة مجموعتها لكنها، كما نيجيريا، خسرت في الدقيقة الأخيرة أمام إيران ولم تستطع الحفاظ على فوزها على إسبانيا التي عادلتها في الدقيقة 90. تونس قامت بما تستطيع في مجموعة تضمّ بلجيكا وإنكلترا اللتين وصلتا إلى نصف النهائي واكتفت بالفوز على بنما. أما مصر فتأثّرت بإصابة نجمها محمد صلاح وغيابه عن المباراة الأولى أمام الأوروغواي التي خسرها «الفراعنة» بدورهم في الدقيقة الأخيرة، ومن ثم فإن صلاح لعب بنصف إمكانياته متأثّراً بإصابته في المباراتين الأخريين.هكذا، فقد تحوّلت الآمال الأفريقية في المونديال الروسي إلى خيبة. في مونديال طغت عليه المفاجآت وخروج الكبار كان بإمكان الأفارقة الاستفادة من هذا الأمر وصناعة التاريخ بالوصول إلى مرحلة متقدّمة للمرة الأولى في مشاركاتهم في كأس العالم بيد أن النتيجة جاءت معاكسة تماماً.
هكذا هي دوماً كرة أفريقيا، تحاول ولا تصل. ثمة مشكلة أزلية ترافق الأفارقة في كأس العالم. باستثناء «المؤامرة الألمانية - النمسوية» على الجزائر في 1982 وخروج المغرب بعد الفوز المشكوك به للنروج على البرازيل في 1998، فإن الأفارقة أضاعوا الكثير من الفرص قبل المونديال الحالي. الحديث هنا بالتحديد عن الكاميرون عام 1990 عندما تمكّنت من تجاوز دور المجموعات بعد فوزها التاريخي في الافتتاح على أرجنتين دييغو مارادونا بطلة العالم ووصولها إلى ربع النهائي، حين تقدّمت على إنكلترا 2-1 حتى الدقائق الأخيرة قبل أن تخسر في الشوطين الإضافيين 2-3. كان نصف النهائي التاريخي للقارة السمراء على بُعد دقائق من روجيه ميلا ورفاقه.
في مونديال 2002 تكرّر الأمر. تجاوزت السنغال بقيادة الحجي ضيوف دور المجموعات بعد فوزها تحديداً على فرنسا بطلة العالم 1-0 ووصلت إلى ربع النهائي حين خسرت في الوقت بدل الضائع أمام تركيا 0-1.
وقبل ذلك قدّمت نيجيريا مونديالاً رائعاً عام 1994 وتجاوزت دور المجموعات لتصل إلى دور الـ 16 إذ تقدّمت على إيطاليا 1-0 حتى الدقائق الأخيرة عندما أدرك روبرتو باجيو التعادل وعاد ومنح «الآتزوري» الفوز في الشوطين الإضافيين 2-1.
وأخيراً فإن الجزائر تمكّنت من الوصول إلى دور الـ 16 في مونديال 2014 حين قدّمت مباراة لا تُنسى أمام ألمانيا، التي عادت وتوّجت باللقب، إلا أنها خسرت في النهاية بصعوبة بنتيجة 1-2 بعد شوطين إضافيين.
في كل ما تقدّم، تاريخياً وفي المونديال الحالي، تلفت عبارة الخسارة في الدقائق الأخيرة. هذه باتت سمة الأفارقة، وهي إن دلّت على شيء فعلى غياب التركيز لدى المنتخبات الأفريقية حتى نهاية مبارياتها، إذ إن نقطة الضعف هذه باتت واضحة لدى الأفارقة الذين يقدّمون مجهوداً وافراً لكنهم لا يستطيعون الحفاظ عليه في النهاية. في لحظة يضيع كل شيء. هذه في المقابل إحدى نقاط قوة المنتخبات في أوروبا وأميركا الجنوبية. على سبيل المثال في هذا المونديال، السويد لم تكن أفضل من المنتخبات الأفريقية المشارِكة في البطولة على صعيد المستوى والنجوم الحاضرين، إلا أن ما يفرق هو التنظيم والتركيز العالي لدى اللاعبين السويديين.
ثمة مسألة أخرى وهي عدم وجود بطولات وطنية قوية في أفريقيا وتحديداً في وسط القارة وجنوبها حيث يغيب الاحتراف والمدارس الكروية والمدربون الأكفّاء، وتعتمد المنتخبات الأفريقية على مدربين من خارج القارة غير مشهورين بمعظمهم، واللافت أن هؤلاء يتنقّلون من منتخب أفريقي إلى آخر. من المهم طبعاً وجود دوريات قوية في أفريقيا وعدد من اللاعبين المحليين يمثّلون المنتخبات ومدربين محليين أكفّاء يعرفون واقع الكرة الأفريقية ولاعبيها، إذ الغالب أن اللاعب الأفريقي يذهب صغيراً إلى أوروبا وينشأ في المدارس الكروية هناك ويتأثر بالأضواء والشهرة، حتى أن معظم النجوم الأفارقة في الملاعب الأوروبية لم يقدّموا الفائدة لمنتخباتهم كما حصل تحديداً في الخيبة الكبرى للكاميرون بقيادة صامويل إيتو في مونديال 2002، إذ إن طغيان اللاعبين المحترفين المنتشرين في أكثر من بطولة يجعل الانسجام غير متوافر في المنتخبات الأفريقية.
فضلاً عن ذلك، فإن الكثير من الشبان الأفارقة يجدون في بطولة مثل كأس العالم الفرصة المناسبة لطرق باب الكرة الأوروبية من خلال انتشار كشّافي الفرق الكبرى في المدرجات. في جانب ما تغلب المصلحة الشخصية على مصلحة المجموعة.
المنتخبات الأفريقية أظهرت تاريخياً أنها تمتلك القدرة على تحقيق إنجازات في كأس العالم بعد إسقاطها منتخبات كبرى وأبطال للعالم في الأدوار الأولى، لكن تصحيح مكامن الخلل هو الأساس لكتابة التاريخ في أدوار خروج المغلوب.
نجم فرنسا السابق إيريك كانتونا قال قبل مونديال روسيا إنه يتوقّع أن يتوَّج منتخب أفريقي بكأس العالم «في يوم ما». على أمل أن يصحّح الأفارقة أخطاءهم حتى لا يطول مجيء هذا اليوم.