بغض النظر عن شكل الأهداف التي سجلها كلٌّ من المهاجمين الإنكليزي هاري كاين والبلجيكي روميلو لوكاكو. وبغض النظر عن هوية الخصوم (أقوياء كانوا أم ضعفاء)، الذين اهتزت شباكهم بسبب نيران هذين المهاجمين، فإنهما الأبرز هجومياً (إلى جانب البرتغالي كريستيانو رونالدو) لناحية التأثير في نتائج منتخبيهما حتى الآن، وبشكلٍ من الأشكال من الأسباب الأساسية لتأهلهما إلى دور الـ 16.الليلة تبدو الأمور أبعد من مجرد صراع على صدارة المجموعة السابعة بين إنكلترا وبلجيكا، فهناك نزال من العيار الثقيل بين كاين ولوكاكو، يحمل «تصفية حسابات» بين الاثنين ويحملانها من ملاعب إنكلترا حيث اعتادا على سرقة الأضواء وممارسة هوايتهما المفضلة بهزّ الشباك.
قبل انطلاق الموسم الأخير في «البريميير ليغ» رشّح النقاد كاين ولوكاكو للتنافس على لقب الهداف، لكن فجأة ظهر النجم المصري محمد صلاح وقضى عليهما بتصدره للائحة الهدافين في نهاية المطاف برصيد 32 هدفاً سجلها بقميص ليفربول. كاين لم يكن بعيداً عنه، إذ إن مهاجم توتنهام هوتسبر سجل 30 هدفاً، مقابل 16 هدفاً وقّع عليها لوكاكو في موسمه الأول مع مانشستر يونايتد.
ما يقدمه كاين حتى الآن مذهل (مارتين بيرنيتي ــ أ ف ب)

الآن يتصدر كاين السباق المونديالي أيضاً بأهدافه الخمسة، متقدّماً بفارق هدفٍ واحد عن لوكاكو الذي يتشارك المركز الثاني مع رونالدو. لكن شيئاً لم ينتهِ، وقد تكون مباراتهما الليلة نوعاً من النزال الحاسم الذي سيعطي أحدهما ومنتخبه طريقاً أسهل نحو لقب الهداف والذهاب إلى أبعد مكانٍ ممكن في المونديال، وذلك من خلال القبض على صدارة المجموعة حيث قد تكون أهداف أحدهما الكلمة الفصل في هذا الإطار.
الواقع أن المهاجمَين المذكورين يتشابهان كثيراً من حيث الأسلوب والفعالية إلى حدٍّ ما، لكن لكلٍّ منهما ميزته التي تجعل منه واحداً من أفضل «الجلاّدين» في العالم. وفي الحقيقة مذهل ما يقوم به كاين حالياً وطوال مواسم خلت، فالمهاجم الأشقر لم يتجاوز الـ24 من العمر، لكنه على رغم ذلك هو النجم الأول في فريقه، والأهم أنه يحمل شارة القيادة لواحدٍ من أعرق المنتخبات العالمية. كاين أنضج من عمره ويملك كل الروح القيادية المطلوبة ليكون على رأس طابور لاعبي منتخب «الأسود الثلاثة»، لكن أهميته أبعد من ذلك، فهو ممتاز في كل النواحي الهجومية: مهاجم سريع يجيد الجري بالكرة، وممرر ذكي ومقاتل مجتهد، وقوي البنية ويتمركز في شكلٍ رائع داخل الصندوق، إضافةً إلى إجادته التسديد بالقدمين بدقة كبيرة، تماماً كما هي الحال في الكرات الهوائية. وكاين الساعي إلى أن يكون على صورة غاري لينيكر، وهو آخر إنكليزي أحرز لقب هداف المونديال عام 1986 (للمفارقة لعب مع توتنهام أيضاً)، يمكنه أن يعيد القيمة الحقيقية للمهاجم الإنكليزي الكلاسيكي من خلال حصوله على الحذاء الذهبي. ففي دوري مليء بالمهاجمين الأجانب لم يعرف منتخب إنكلترا مهاجماً حقيقياً في المركز الرقم 9 منذ اعتزال ألن شيرر، الذي كان آخر الهدافين الذين يجيدون كل شيء بامتياز، حيث يذكر الكلّ كيف تميّز حتى في الكرات الثابتة وتحديداً ركلات الجزاء.
وشيرر يذكره جيّداً المدرب الحالي لإنكلترا غاريث ساوثغايت، حيث تواجدا سويّاً في كأس أوروبا 1996 التي استضافتها بلادهما وخرجت فيها من الدور نصف النهائي أمام ألمانيا حيث سجل شيرر هدف الافتتاح وأهدر ساوثغايت الركلة الترجيحية الحاسمة. وعلى رغم هذه الذكرى السيئة يتمنى ساوثغايت أن يعيد كاين رسم المشاهد التي خطّها شيرر (هداف «يورو 1996» بـ 5 أهداف) وإعادة الاعتبار إلى القميص الرقم 9 ومركز رأس الحربة، وتأثير المهاجم فعلاً في نتائج إنكلترا بعدما ذهبت النجومية والدور القيادي في فتراتٍ سابقة إلى لاعبين يشغلون مراكز أخرى، من ديفيد بيكام مروراً بستيفن جيرارد، وقبل أن يستلمها واين روني وتتنقل بين لاعبين عدة حتى وصولها إلى ساعد كاين.
تفوّق كاين على لوكاكو على لائحة ترتيب هدافي الدوري الإنكليزي


وبالحديث عن المهاجمين الأجانب وتأثيرهم في الكرة الإنكليزية، فإن هذا التأثير قد يحضر إلى ملاعب روسيا ليضرب إنكلترا من خلال لوكاكو.
«مهاجم وحش» يعرف الإنكليز ويعرفونه جيّداً. ربما هذه النقطة في مصلحتهم، لكن هم يعلمون أيضاً أن أولئك المهاجمين الذين يشبهون لوكاكو يصعب كبحهم، خصوصاً عندما يلعبون بين مجموعةٍ من لاعبي الوسط الخلاّقين، أمثال كيفن دي بروين وإيدين هازار. انتهازي من الدرجة الأولى يثأر لنفسه حالياً بعد موسمٍ عادي مع مانشستر يونايتد (سجل 25 هدفاً مع إفرتون في الموسم الذي سبقه)، ويبدو كمن يتصارع مع وحشٍ آخر على طريدته، فالمنافسة على تسجيل الأهداف تتوزع على لاعبين عدة في المنتخب البلجيكي، حيث قدّم ميتشي باتشواي ودريس مرتنس نفسيهما أيضاً كمهاجمين حاسمين. هو مرتاح أكثر من وجوده في يونايتد حيث استقدم لتعويض النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، فالخطة المعقّدة التي اعتمدها المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو صعّبت الأمور في بعض الأحيان، خصوصاً في ظل غياب أي لاعبٍ خلاّق في الوسط يمكنه إمداده بالكرات بعكس ما هي عليه الحال في منتخب «الشياطين الحمر». اذاً هي معركة خاصة داخل الحرب الكبيرة، فمن يحسمها لمصلحته يحسمها لمصلحة منتخبه ويواصل الحلم نحو الذهب: الكأس وحذاء الهداف.