في حياته اليومية يحمل «كوبر» وجهاً صارماً قليلاً ما تكسوه الابتسامة. لكنه خفيف الظل يُجيد السخرية وتبادل الدعابات. في عالم الساحرة المستديرة هو عبقري اعتاد قهر المستحيل، أثناء قيادته الفنية للأندية والمنتخبات متوسطة المستوى إلى منصات التتويج. لكنه المنحوس الذي لا يحمل الذهب بين يديه إلا فيما ندر. يكتفي كل مرة بدور وصيف البطل. «خبراتي وذكرياتي سيئة في ما يتعلق بهذا الأمر، لذا فلن أُعطي محمد صلاح أيّة نصائح قبل نهائي دوري أبطال أوروبا». بهذه الكلمات المقتضبة مازح كوبر الصحافيين الذين طلبوا منه توجيه نصيحة لجناح فريق ليفربول الإنكليزي، قبل أيام قليلة من خوضه المباراة النهائية لبطولة دوري أبطال أوروبا أمام فريق ريال مدريد الإسباني حامل لقب النسختين الماضيتين. كلمات تبدو عابرة والهدف منها المزاح، لكنها تُلخص مسيرة كوبر في عالم التدريب، حيث لم ينجح خلال مسيرته التي بدأت قبل ربع قرن، سوى في الفوز بثلاث بطولات فقط. تتجسد عبقرية الأرجنتيني كوبر، في الوصول بهذه الفرق إلى منصات التتويج بإمكانيات شبه معدومة مقارنة بالمنافسين. وآخر تلك الرحلات المذهلة هي مع المنتخب المصري التي بدأها بإعادة الفراعنة إلى بطولة أمم أفريقيا بعد الغياب ثلاث بطولات متتالية، في سيناريو لم يتوقعه أشد المتفائلين، ثم قيادته المنتخب المصري لنهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ 28 سنة، محققاً حلم المصريين بالتواجد بين كبار اللعبة الشعبية الأولى في أكبر حدث رياضي في العالم بعدما كاد مشجعو الفراعنة أن يفقدوا الأمل.العجوز يتصرف وكأنه مولود في أحد الأحياء الشعبية المصرية. الذين لا يتابعون كرة القدم قد يظنون أن كوبر مدير فني محلي للفراعنة. يردد النشيد الوطني المصري قبل كل مباراة. وصل الأمر إلى ما هو أعمق من ذلك: حضر المدرب الأرجنتيني خطبة الجمعة في المسجد برفقة لاعبيه وجهازه المعاون، عدة مرات، خلال سفر المنتخب المصري لخوض مباريات خارجية. في مصر تخلى عن تحفظه وصرامته حين قفز بالبدلة الرسمية في حوض السباحة بفندق إقامة المنتخب كي يحتفل مع لاعبيه بالفوز على منتخب غانا، في التصفيات المؤهلة لمونديال روسيا 2018، كما شارك في إعلان تلفزيوني لصالح إحدى شبكات الهواتف المحمولة، ليغني في الإعلان ويتناول «الفتة» وهي أكلة شعبية مصرية شهيرة، ليستحق لقب «مصري أكثر من المصريين». لكن، في بلد مثل مصر، اعتاد أهله على السجال والمساجلة في «الكورة»، لم يسلم كوبر من الانتقادات الدائمة من بعض الجماهير والنقاد، بسبب طريقة اللعب الدفاعية والتي تتصادم مع قناعات المصريين المحبين لكرة القدم الجميلة، التي ميزت «منتخب الساجدين» مع المعلم حسن شحاتة من 2006 ــ 2010 والذي فاز بثلاث كؤوس قارية متتالية. لكن، هل يمكن اللعب الآن بطريقة مشابهة؟ «أتناول دواء ضغط الدم، بسبب التوتر الذي أعاني منه جراء الانتقادات، الحياة مليئة بالإجهاد، لكن الإجهاد الذي واجهته، من أجل الوصول إلى كأس العالم، هو الأصعب». هذا التصريح الأبرز لكوبر عقب التأهل إلى مونديال روسيا، رداً على أسئلة الصحافيين حول تعامله مع الانتقادات العنيفة عقب كل تعثر للمنتخب تحت قيادته، مع اتهامه بأن الفراعنة أصبحوا منتخب «باصي لصلاح» وهو سيكمل المهمة بجهد فردي. وهو ما رد عليه كوبر بأنه من المستحيل أن يستطيع صلاح وحده إنجاز المهمة ولكنها جهود زملائه اللاعبين والجهاز الفني. وهو ما أكده محمد صلاح نفسه في تصريحات صحافية حين قال رداً على الانتقادات التي يواجهها كوبر: «نتائجه تتحدث عنه».


كوبر في سطور
بدأ كوبر التدريب مع فريق هوراكان الأرجنتيني، الذي استمر معه لمدة عامين، ثم انتقل إلى لانوس الأرجنتيني عام 1995 وقاده لتحقيق لقب كأس كونميبول. ثم رحل إلى إسبانيا عام 1997 لتدريب ريال مايوركا الذي حقق معه لقب كأس السوبر الإسباني عام 1998. ويُعد هيكتور كوبر، أحد أبرز المديرين الفنيين في تاريخ الأرجنتين، حيث أنهى مسيرته كلاعب في مركز قلب الدفاع عام 1992 بعد مسيرة احترافية طويلة بدأت عام 1976، لينطلق بعدها في مشواره التدريبي الحافل. وسرعان ما قاده تألقه لتولي تدريب فالنسيا في الفترة من 1999 حتى 2001، حيث قاد الخفافيش للقب كأس السوبر الإسباني ومركز الوصيف في دوري أبطال أوروبا مرتين متتاليتين، وهو ما دفع إدارة العملاق الإيطالي إنتر ميلانو للتعاقد معه، حيث قاد الفريق في الفترة من 2001 إلى 2003، ونافس على لقب الدوري الإيطالي حتى الأسابيع الأخيرة لكنه خسر اللقب. وعاد كوبر عام 2004 إلى ريال مايوركا ثم إلى ريال بيتيس عام 2007، وتنقل في الفترة من 2008 حتى 2014، بين ريال بيتيس الإسباني، وبارما الإيطالي، ومنتخب جورجيا، وأريس اليوناني، ورايسنج سانتاندير الإسباني، وأوردو سبور التركي، والوصل الإماراتي، قبل أن يتولى تدريب المنتخب المصري عام 2015.