بدلاً من الهروب من الرصاص في الأحياء الفقيرة المثقلة بالمخدّرات، سيكون لاعبو كرة القدم، بمن فيهم المشجعون في بنما، ورمزهم رومان توريس، في دائرة الضوء العالمية. بدلاً من ويلات سببها «النظام العالمي» وهيمنة أميركا، سيرقص البنميون هذا الصيف، ويشجعون فريقهم، الذي لا يبدو مرشحاً، بل يذهب بغرض الاحتفال. في رياضة شوّهتها الفيفا ورأسماليتها، تحولت مجموعة من لاعبي كرة القدم في الشوارع إلى لاعبين في كأس العالم. في بنما، ينتظرون الاحتفال.قبل أربع سنوات، اقتربت بنما من التأهل إلى كأس العالم. كانت تحتاج إلى فوز وحيد لبلوغ الملحق العالمي على حساب المكسيك. تقدمت بهدفين لهدف على الولايات المتحدة بعد انتهاء الوقت الأصلي للمباراة، لكنها تلقت هدف الخسارة في الوقت بدل الضائع. هذه المرة، تبدلت الأمور. مع كوستاريكا، حققت بنما عودة مثيرة لتفوز 2-1 في آخر مباراة لها، بفضل هدف تعادل مثير للجدل من رومان توريس. أظهرت الإعادة التلفزيونية بوضوح أن الكرة لم تتجاوز خط المرمى. ولحسن حظ بنما، لم تستخدم تكنولوجيا مراقبة خط المرمى في تلك المباراة. كانت بنما، مع ذلك، تواجه خطر الخروج من التصفيات حتى سجل المدافع توريس هدفاً جديداً في الدقيقة 87 لتفوز بـ 2-1 وتتفوق على منتخبي هندوراس والولايات المتحدة وتذهب مباشرةً إلى روسيا. أعلنت البلاد يوم التأهل عيداً وطنياً، ودعا أحد السياسيين إلى إطلاق اسم «قلب الدفاع» صاحب هدف الانتصار على أحد الملاعب تقديراً لجهوده في التأهل. كان حدثاً كبيراً. في 18 حزيران/ يونيو، سنتوجه إلى سوتشي في أول مباراة «للماريا روخا» أي «المدّ الأحمر» في كأس العالم في روسيا.

المنتخب البلجيكي سيواجه بنما، المنتخب الذي سيخطو خطواته الأولى في البطولة العالمية. قبل ذلك، يجب أن نذهب إلى أميركا الوسطى لاكتشاف كرة القدم. يجب الاعتراف بأنها جمهورية لم يعرف عنها الكثير. بلد صغير يتألف من 4 ملايين نسمة من سكان أميركا الوسطى المتاخمة لكوستاريكا وكولومبيا. لقد سمعنا بالفعل عن قناة عملاقة، وهي مشروع ضخم، ونقطة عبور بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، وكل عام يستخدمها أكثر من 14 ألف قارب. تعرف أيضاً بوثائقها، حيث سرّبت أكثر من 11.5 مليون وثيقة سرية لشركة «موساك فونسيكا» للخدمات القانونية في بنما، التي تملك منظومة مصرفية تجعلها ملاذاً ضريبياً للمتهربين. ومنذ بضعة أشهر، جذبت بنما أعين العالم في كرة القدم. منذ تلك اللحظة التاريخية، أي فوزها على جارتها كوستاريكا، تعتبر «ماريا روخا»، كما يطلق عليها، فخر شعب بأكمله. اللافت أن كرة القدم ليست الرياضة الأولى في بنما. لديهم البيسبول، وهو تقليد مقدّس مع العديد من اللاعبين الذين تطوروا في الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً الملاكمة، حيث يلمع اسم روبرتو أوران، بطل العالم 6 مرات. كرة القدم البنمية رياضة نمت تدريجياً على مدار العشرين عاماً الماضية، وقد حققت مكاناً بجوار رياضات أخرى. وفي السنوات الأخيرة، أصبح الناس مهتمين بالمنتخب الوطني، فعندما يلعب الكل يذهب إلى الملعب.

تأهّل غير متوقع
هدف في وقت متأخر من المباراة، هزيمة غير متوقعة للولايات المتحدة في ترينيداد وتوباغو، يمنحك لحظة لا تنسى. هذا ما صرّح به المدافع رومان توريس صاحب الهدف الملتبس. «كنت في الملعب بعد المباراة مع رئيس بنما»، في هذا البلد كان دائماً حلماً، اليوم الذي ستتأهل فيه بنما لكأس العالم، سيكون عيداً عظيماً، لذلك تساءلت عما إذا كان يستحق عطلة وطنية؟ يتابع: «سألت رئيس مجلس الإدارة، هل سيكون لدينا يوم إجازة للاحتفال بهذا الحدث؟ أولاً، أخبرني أنه يجب علينا الاحتفال، لكن يجب علينا أيضاً العمل». لكن في وقت لاحق، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، علم البنميون أن الرئيس فاريلا منح يوم إجازة للاحتفال بتأهل بنما لكأس العالم. بالنسبة الى الاتحاد، هذا الإنجاز كان نعمة. التركيز على كرة القدم سيسمح لهذه الرياضة بأن تصبح أكثر احترافية، وهو ضرورة، حسب إدواردو فاكارو، الأمين العام للاتحاد: «نحن اتحاد شاب في خضم التحوّل، التحدي الأكبر الذي نواجه هو الانتقال من اتحاد صغير إلى اتحاد محترف». الطريق شاق، وعلى بعد أمتار قليلة، في ملعب التدريب الوحيد في الاتحاد، يتقاسم منتخب الشباب تحت 21 عاماً العشب مع بعض الفتيات. وهذه «فكرة غير مقبولة»، بالنسبة الى خورخي ديلي فالديز، شقيق اللاعب السابق في فريق باريس سان جيرمان خوليو ديلي فالديز والمدير الفني للفريق الشاب... «هنا لا يوجد فريق يملك ملعباً خاصاً به، وجميع الملاعب تابعة للحكومة، ومن حيث البنية التحتية في الملاعب، نفتقد الكثير من الأمور». معظم اللاعبين الدوليين يعيشون في الخارج، اليوم أكثر من 20 لاعباً يلعبون خارج بنما. ويلاقيه في ذلك فالنتين بيمنتل، أحد اللاعبين الدوليين القلائل الذين يدافعون عن ألوان أحد النوادي في بطولته المحلية. «الأمر معقد لأنه هنا في بنما، من وجهة نظر اقتصادية، لا يمكن المقارنة مع الدول الأخرى التي تملك بطولات مثيرة للاهتمام. إن غالبية اللاعبين ليسوا محترفين، وهناك الكثير منهم. الى جانب كرة القدم، يمارسون مهناً وأعمالاً أخرى»، يقول بتواضع وحزن شديدين.
كيف تبدو مباريات دوري الدرجة الأولى في بنما؟
على بعد أمتار في ملعب التدريب الوحيد يتقاسم منتخب الشباب تحت 21 عاماً العشب مع بعض الفتيات


للإجابة عن السؤال، يجب أن نتابع فالنتين في ناديه «بلازا أمادور». لعب بيمنتيل وزملاوه في ماراكانا وواجهوا سان فرانسيسكو. في ذلك المساء، حضر 250 شخصاً فقط الى الملعب. هذا العدد الضئيل يفسر فقدان الحماسة لدى الجمهور في المنافسة الوطنية، والسبب هو التوزيع الخاطئ للفرق في جميع أنحاء البلاد، فغالبية فرق الدوري في وسط مدينة بنما. وهو عامل قد يفسر لماذا لا ترتقي كرة القدم إلى الاحتراف. لكن مهلاً... منذ التأهل، تغير رأي الجمهور، فبات يصور عناصر المنتخب كأبطال وكقدوة للشباب والرياضة. نذهب إلى حي شوريلو، حيث نشأ ريكاردو أفيلا. شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، اشتراه النادي البلجيكي «لا غانتواز»، كلاعب احتياطي. صراع الثقافات، والحنين إلى الوطن. لم يكن يسهّل الانتقال على الشاب البنمي، تقول روزا أفيلا، عمة ريكاردو: «في المرة الأولى التي عاد فيها إلى هنا، قال لي لن أعود...». اليوم، أصبح أفيلا نجم كرة قدم البنمية. ستكون الفرصة الأولى له للمشاركة في التشكيلة الأساسية للمنتخب والمشاركة في كأس العالم.
أفيلا، وبيمنتل، الطفلان اللذان صنعا المجد والنجاح في حي شوريلو الفقير. «هنا الحياة ليست سهلة»... يشرح فرانكلين كوينتيرو، منسق مونديال «ديل باريو»، البطولة التي تجمع أكثر من 10 آلاف شاب كل عام: «إنه حي صعب، وبسبب الغزو الأميركي عام 1989، بات يضم الكثير من المسلحين وتجّار المخدرات والعصابات الإجرامية. ولحماية الأطفال، يشجّعون على الرياضة، بربطها بالتعليم المدرسي. يدرس الأطفال ويمارسون الرياضة، إنه شرط أساسي أن تلعب كرة القدم هنا».



مقتل أميلكار هنريكيز


يمثل تعليم الشباب والقضاء على العنف تحدياً آخر لاتحاد كرة القدم في البلاد. في العام الماضي، قتل اللاعب الدولي أميلكار هنريكيز، برصاصة مجهول أمام منزله في كولون، وهي مدينة تبعد 70 كيلومتراً عن مدينة بنما، في حي «صفيح» أيضاً. أبرز التعليقات كانت لطفل بنمي قال «أنا أبلغ من العمر 11 سنة، اسمي إسحاق، لماذا أنا هنا؟ لأنني أحب كرة القدم وأريد أن أكون لاعب كرة قدم جيداً عندما أكبر. أريد أن أفعل مثل ميسي، هازارد، أريد أن أحترف». العنف والبنى التحتية والمهنية ستكون التحديات التي تواجه كرة القدم في بنما في السنوات المقبلة، وطبعاً، خلف كل شيء، الضغط الأميركي المتواصل. في الثامن عشر من حزيران/ يونيو، وفي لحظة مواجهة بلجيكا، ستكون دولة بأكملها، وبكل فخر، مصوبة إلى روسيا. بنما كلها دون استثناء ستشارك في هذا العرس الجماهيري الكبير.