أسوأ لحظات كرة القدم في تاريخها هي اللحظات التي انهار فيها البرازيليون على أرضهم. عندما تحول الفرح إلى دمع، والرقص إلى ألم. ذكريات ثقيلة يحملها البرازيليون، من أعوامٍ 4 خلت، من دون أي رغبة بالانتقام. كل ما يرغبون به هو العودة بالتاريخ إلى ما قبل 2014، لكي يتسنى لهم الرقص مجدداً. ولا أحد يمكنه أن يكتب تعريفاً عن علاقة البرازيل بكرة القدم، أفضل مما قد يكتبه البرازيليون أنفسهم في الملعب. نيمار تعافى، وبات جاهزاً. الهجوم البرازيلي في أفضل حالاته. السمعة دائماً طيبة. والفافيلاس تنتظر بالشغف نفسه، كل مباراة وكل كأس. هكذا، يقدّم البرازيليون أنفسهم كمشرح فوق الجميع للحصول على الكأس، والرقص على المنصات والمدرجات.بذكريات مليئة بالدموع من الكبار والصغار، من البرازيليين وغير البرازيليين، بذكريات كأس العالم الأخيرة أمام المنتخب الألماني، يدخل المنتخب البرازيلي المونديال اليوم واضعاً نصب عينيه عدم تكرار «الفاجعة» الكروية التي حدثت منذ أربع سنوات. في ذلك الوقت، لم يملك مشجعو «السامبا» القدرة على الاستمرار لمتابعة المباراة. نبرة صوت المعلّقين اختلفت، لم يؤدّوا مهنتهم كما يجب أن يقدموها للمشاهدين، فالـ«ضحية» ليست عادية، «الضحية» هي البرازيل. وعندما نقول البرازيل، فيكون الحديث عن حامل لقب كأس العالم خمس مرّات. الأم التي أنجبت بيليه وسقراط ورونالدينيو ورونالدو وريفالدو وروماريو وكاكا. الأم التي إذا قررنا أن نعدد من أنجبت لعالم الكرة فلن نتوقّف عن ذكر أسماء أولادها. نتيجة صاعقة لم ولن يتقبّلها أحد سوى «المجرمين» الذين أقدموا على مثل هذه الفعلة. وكانت «جريمة» محقة. قاسية وجميلة في آن، إذ لا بد من إنصاف الألمان.
نعود إلى ذلك النهار. بدأت مباراة نصف النهائي بمعنويات برازيلية عالية، فالبطولة بطولتهم، والأرض أرضهم. على الرّغم من غياب نيمار الذي يعد أفضل لاعب في تشكيلة المدرّب «الكارثي» سكولاري، إلا أن البرازيل وبحسب ما يعرفه الجميع عنها، البرازيل هي البرازيل. «السامبا» بمن حضر. هذه المقولة الأخيرة لم تلوح في سماء الليلة «المشؤومة». أسماء كأوسكار وهالك وفريد الذي لم ولن يفهم أحد كيف حمل على كتفيه رقماً ثقيلاً جداً كالرّقم «9». رقم الظاهرة رونالدو. المباراة لم تتعدّ الدقيقة 30 من عمرها. أماّ النتيجة، فقد داست بثقلها صدور البرازيليين ومشجعي كرة القدم في العالم غير مكترثة بمن تحتها. الأرقام تحطّمت. كما تحطّم الشعب البرازيلي مشاهداً شغفه يتكسر. أكبر نتيجة في تاريخ «أنصاف نهائيات» كأس العالم كانت في البرازيل (7 ــ 1). انتهى اللقاء، وبدأت الدموع، لاعبين ومدربين ومشجعين وغيرهم ممّن كان حاضراً. تعرفون بقية المشهد.
حقق المنتخب البرازيلي الفوز في 10 مباريات من أصل 12 مباراة تحت إشراف المدرّب تيتي


اللاعبون الألمان بدأوا مراسمهم الاحتفالية. لكن في الوقت عينه كان لاعب بايرن ميونخ باستيان شفاينشتايغر يواسي البرازيليين، وكأنه على دراية بحجم «الجريمة» التي ارتكبها برفقة زملائه. في مقابلة له مع «بي إن سبورتس» تكلّم المدرّب الكبير أرسين فينغر عن الذي حدث قائلاً: «عندما كنت أشاهد المباراة، قلت في نفسي، أوقفوها، أوقفوا المباراة، إنها البرازيل!»، كلام فينغر يفسّر كيف نظر مشجعو كرة القدم إلى ما حدث في ملعب «بيلو هوريزنتي» الذي سيبقى اسمه خالداً إلى الأبد، كجرحٍ عميق في القلب.
أربع سنوات مضت على الحادثة التي يفضّل الكثير من الناس والمتابعين عدم ذكرها. اليوم الأمور اختلفت كثيراً. مدرّب جديد. لاعبون لم يكن لهم المكان في 2014، وجدوا أنفسهم ضمن 11 لاعباً أساسياً في تشكيلة المنتخب البرازيلي الحالي، من كوتينيو وغابريال جيسوس، باولينيو وكاسيميرو، ميراندا وماركينيوس، وأليسون في حراسة المرمى. تشكلية برازيلية مختلفة تماماً عما كانت عليه في السابق، أضف إلى ذلك يتوفّر لدى المدرّب «تيتي» دكّة بدلاء من الطراز العالي التي يحتاج لها أي منتخب يريد تحقيق اللقب (ويليان، دوغلاس كوستا، فرمينو، إيدرسون، تياغو سيلفا، فريد...) الأخير ليس فريد الذي كان «كرشه» يقفز أمامه، بل أحد أفضل لاعبي الوسط الواعدين البرازيليين اليوم، حيث أن كبار الأندية الأوروبية كقطبي مانشستر مهتمّة بالحصول على خدمات نجم خط وسط شختار الأوكراني. لمسات المدرّب الجديد بدت واضحة على أداء المنتخب البرازيلي، خير دليل على ذلك ما قدّمته البرازيل خلال مشوارها في تصفيات القارة الأميركية الجنوبية المؤهلة لكأس العالم، حيث حقق المنتخب البرازيلي الفوز في 10 مباريات من أصل 12 مباراة تحت إشراف المدرّب تيتي.
نقطة أخرى يجرب التطرّق لها، تشكيلة البرازيل الحالية تضم أبرز اللاعبين من بين أفضل الفرق الأوروبية، مان سيتي، برشلونة، ريال مدريد، ليفربول، يوفنتوس وغيرها من الفرق التي يلعب فيها البرازيليون. على العكس تماماً في 2014، حيث كان أوسكار نجم تشلسي (ولو أن كلمة نجم كبيرة على لاعب كأوسكار) ونيمار نجم برلشونة، ففي الخط الهجومي لم يكن هناك لاعبون برازيليون ينحدرون من فرق أوروبية كبيرة.
مجموعة المنتخب البرازيلي سهلة على الورق، ومن المتوقّع بأن يتصدّرها رجال المدرب «المحنك تيتي»، فكل من كوستاريكا وصربيا والمنتخب السويسري لن يقفوا سداً منيعاً في وجه فريق برازيلي لم يقدر كبار منتخبات أميركا الجنوبية الوقوف في وجهه. البرازيل هذا العام هي البرازيل. سيكون الغضب كبيراً... «الثأر الثأر»، هذا ما يريده البرازيليون.



حقق المنتخب البرازيلي 12 فوزاً مقابل 5 هزائم وتعادل وحيد
استقبلت شباك أليسون 11 هدفاً
حافظ الحارس البرازيلي على نظافة شباكه في 10 مناسبات
سجّل المنتخب 41 هدفاً خلال مشوار التصفيات
تصدّرت البرازيل بفارق 10 نقاط عن صاحب المركز الثاني الأوروغواي (41 ــ 31)
أكبر فوز في التصفيات كان على حساب المنتخب البوليفي بنتيجة 5 ــ 0


تيتي


أدينور ليوناردو باتشي، المعروف بـ«تيتي»، لم يكن بذلك اللاعب المعروف سابقاً عندما كان صغيراً. شارك في 33 مباراة خلال مسيرته الاحترافية كلاعب. في المقابل كان وجه المدرّب البرازيلي على الساحة التدريبية شاحباً مع الفرق الأولى التي درّبها (كاكسياس، غريميو، إنترناسيونال، بالميراس). كانت مرحلة الصعود تدريبياً بالنسبة إلى «تيتي» عندما وقّع عقداً مع النادي البرازيلي كورنثيانس في 2011، حيث حقق لقب الدوري البرازيلي في أول موسم له مع النادي، ومن ثمّ في السنة التالية (2012) صنع «تيتي» المجد مع كورنثيانس بتحقيقه لقبين من بين أبرز الألقاب التي يمكن لفريق أميركي جنوبي أن يحصل عليهما، لقب كوبا ليبرتادوريس بالإضافة إلى لقب كأس العالم للأندية على حساب تشلسي الإنكليزي ليكون بذلك آخر فريق لاتيني يفوز بكأس العالم للأندية على حساب فريق أوروبي. في 2016، وبعد هبوط مستوى المنتخب البرازيلي، وبعد أن مرّ على المنتخب الوطني مدرّبون كسكولاري ودونغا (خسارة 7 ــ 1 بالإضافة إلى الخروج من الدور الأول في بطولة كوبا أميركا 2016) كان لا بدّ من أن يأتي مدرّب يحل هذه المشاكل. «تيتي» كان بمثابة حلّ مفصلي لمشكلة البرازيل ولأداء اللاعبين البرازيليين. وبالفعل حقق «تيتي» الإنجاز بكونه برفقة البرازيل أوّل المتأهلين إلى المونديال الروسي.


أبرز اللاعبين
سقراط


بدأ معشوق جماهير فلامينغو البرازيلية مسيرته في سنة 1971، حيث قضى زيكو فترة 12 سنة بين أسوار «لوسو بلازيلييرو» شارك فيها في 637 مباراة مع الفريق الأحمر والأسود مسجّلاً 478 هدفاً. لم يحظ بحلم الفوز بكأس العالم حيث وصل برفقة منتخبه الوطني إلى الدور النصف نهائي في مونديال 1978. ما بعد فلامينغو، كانت لزيكو فترة في الدوري الإيطالي مع أودينيزي ما بين 1983 ــ 1985، ليعود من جديد إلى فلامينغو ليشارك معهم في 74 مباراة حيث سجّل 21 هدفاً. أما على صعيد المنتخب البرازيلي، فيعد زيكو من بين أفضل اللاعبين البرازيليين في التاريخ، فقد شارك زيكو في 71 مرّة مع منتخبه الوطني سجّل 48 هدفاً فيها.

زيكو


رفض سقراط ممارسة رياضته المفضّلة قبل أن يكمل دراسته في مجال الطب، بدأ مسيرته الكروية في الخامسة والعشرين من عمره، كان لاعباً مهارياً يتقن اللعب بالقدمين، حيث سجّل سقراط في مسيرته كلاعب 292 هدفاً خلال أكثر من 600 مباراة. كانت آراء النجم البرازيلي تختلف عن غيره من اللاعبين، فلطالما كان همّه الأول والوحيد هو راحة الناس والفقراء منهم، يحب شخصيّات ثورية كفيدل كاسترو وتشي غيفارا ويعشق فرقة «البيتلز» والمغني جون لينون. توفي سقراط عن عمر يناهز 57 عاماً سنة 2011 بعد تعرّضه لالتهاب معوي أدى إلى مزاولته لغرفة العمليات.