على مدى أعوامٍ عدة، دأب أطراف النزاع في الصومال على تجنيد الأطفال قسراً، إلا أن هذه الظاهرة راحت تعمق جذورها في المجتمع الصومالي، أخيراً، مع تجنيد «حركة الشباب» لأعداد هائلة من الأطفال، واستخدامهم كعناصر رئيسة في هجماتها.
هاجم المئات من عناصر «حركة الشباب»، منتصف الشهر الماضي، شواطئ أرض البنط، شمال شرق الصومال، ما أدّى إلى اشتباكات عنيفة مع القوات الحكومية التي نجحت بصدّ الهجوم، وقتل أعداد كبيرة من المسلحين، فيما سلّم أكثر من مئة مسلح أنفسهم. وُصف الهجوم بـ«غير الاعتيادي»، إذ إن المسلحين دخلوا أرض البنط، التي تُعَدّ خارج نطاق منطقة عمليات «الحركة» عبر البحر، لكن ما كان صادماً ليس حجم الهجوم، بل «حجم» المسلحين أنفسهم. فالمسلحون لم يشبهوا أولئك الذين يظهرون في أشرطة الفيديو التي تنشرها «الحركة» بهدف الدعاية وبث الرعب في قلوب الصوماليين، بل غالبية الذين سلموا أنفسهم كانوا أطفالاً، منهم لم يتعدّ عمره 13 سنة.
يشير رئيس بعثة الأمم المتحدة في الصومال، مايكل كيتينغ، إلى أنه فيما لم تكن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها «حركة الشباب» الأطفال في الهجمات، إلا أن ما يثير «الدهشة» هو عدد الأطفال «الهائل».
«الحركة لم ترسل عدداً قليلاً من الأطفال، بل العشرات والمئات»، يقول كيتينغ، مشدداً على ضرورة «أن يكون التعامل معهم بطريقة حسنة، لضمان عدم عودتهم إلى الحركة». وبالرغم من أن عدد الأطفال غير معروف، إلا أن الأمم المتحدة قالت إن «العشرات» من الأطفال احتُجزوا.
ولاحظ المحققون وجود آثار رصاص وإصابات على أجساد معظم هؤلاء الأطفال، من معارك سابقة، وقد اعترفوا بمشاركتهم في هجمات لـ«حركة الشباب»، مثل الهجوم على قاعدة الاتحاد الأفريقي الكيني، في جنوب الصومال، أخيراً. وأشار الأطفال، الذين كانوا يرتدون زياً عسكرياً سرقته الحركة من قوات الاتحاد الأفريقي، إلى وجود أعداد كبيرة من صغار السنّ في صفوف الحركة.
«لا أعرف لماذا أنا هنا. أريد فقط أن أعيش حياة طبيعية»، يقول جعفر، البالغ من العمر 13 عاماً، والذي يُعَدّ من ضمن المجندين الأصغر سنّاً.
«كنت أرغب في دخول المدرسة. قالوا لي إنهم سيوفرون لي التعليم المجاني. لم أكن أتصور أنني سأكون في مثل هذا الموقف»، يقول جاما (15 عاماً)، مضيفاً أن عائلته لا تعرف مكانه.
من جهته، يقول عدن (16 عاماً) إنه اختُطف وهو في طريقه لزيارة أمه في مقديشو. «قالوا لي إنني جزء من جيشهم. وتلقيت تدريبات في القتال لمدّة شهرين».
أمّا مسلاح، فيقول إن عناصر «الحركة» أقنعوه بأنه سـ«يدافع عن دينه» وسيصبح «أميراً» في يوم من الأيام.
كغيرها من التنظيمات المسلحة، تقوم «حركة الشباب» باختطاف الأطفال من منازلهم أو مدارسهم، ومن ثم تجنّدهم وتُجبرهم على المشاركة في العمليات القتالية. وفي بعض الحالات، يجري تخديرهم أو «غسل دماغهم» في المدارس الدينية والمساجد، أو تستغل الحركة فقر الأطفال فتدفع لهم 30-50 دولاراً شهرياً مقابل خدماتهم المسلحة. ويلجأ العديد من قادة «الحركة» إلى استخدام العنف لضمان طاعة الأطفال وولائهم. أما الذين يحاولون الفرار، فيُضرَبون بالطلقات النارية في ظهورهم.
ووفق الكاتبة الأكاديمية المتخصصة في حالات تجنيد الأطفال، ميا بلوم، «بالنسبة إلى العديد من الشباب في الصومال لا توجد بدائل. فالالتحاق بتنظيم يوفر لهم المال والأمن والحماية والسلطة، قد يبدو خياراً جذاباً في مقابل الفقر والجوع».
وتعليقاً على العدد الهائل للأطفال في هذا الهجوم بالتحديد، تقول بلوم إن من المحتمل أن تكون الحركة قد فقدت الكثير من العناصر الأكبر سناً.
«من الصعب أن نعرف على وجه اليقين، لكن يمكن أن يكون استخدام هذا العدد من الأطفال إشارة إلى أن الحركة فقدت عدداً من البالغين، أو تجد صعوبة في تجنيد من هم أكبر سناً»، تشرح بلوم، مضيفة أن «الأطفال غالباً لا يثيرون الشك، فيُستخدَمون كعنصر مفاجأة، خاصةً عند استهداف المدنيين».
تشير التقارير إلى أن ظاهرة تجنيد الأطفال بدأت بالتفشي في الصومال منذ 2011، مع تصاعد القتال في أنحاء البلاد. ووفق تقرير صدر عن «منظمة العفو الدولية»، إن «حركة الشباب» على وجه الخصوص كثفت عملية التجنيد لكسب مزيد من السيطرة على وسط الصومال وجنوبه. وبحسب المنظمة، العديد من هؤلاء الأطفال تعرضوا للجلد، وشهدوا انتهاكات مروعة، بما في ذلك الرجم بالحجارة، وحالات بتر للأطراف، وأعمال قتل. كذلك كان الأطفال شهوداً على مقتل أو تعذيب أقاربهم وأصدقائهم.
من جهته، وصف رئيس إقليم أرض البنط، عبد الولي محمد علي غاس، ظاهرة تجنيد الأطفال بـ«غير المقبولة»، مؤكداً أن «هذه ليست مشكلة صومالية، ولا مشكلة إقليمية، إنها مشكلة عالمية. هذا العدو يخوض حرباً أيديولوجية. هناك أطفال يبلغون من العمر 10 و 12 و 15 عاماً غُسلَت أدمغتهم. نحن نعلم أننا لا نستطيع هزيمة حركة الشباب من خلال العمليات العسكرية فقط، بل علينا محاربتهم أيديولوجياً أيضاً».
وتجدر الإشارة إلى أن تجنيد الأطفال ظاهرة عالمية، فالتقديرات تشير إلى أن أكثر من 300،000 طفل وطفلة يشاركون في أكثر من 30 صراعاً في جميع أنحاء العالم، وأن 40% من القوات المسلحة (بما في ذلك الجيوش الوطنية والميليشيات والعصابات والمنظمات الإرهابية) تجنّد الأطفال.