رفض الناخبون الهولنديون، أمس، بأغلبية ساحقة معاهدة لتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، في استفتاء عُدّ بمثابة اختبار لقبول الهولنديين للاتحاد الأوروبي نفسه، ومدى شعبيته في أوروبا عموماً، وخصوصاً أن هولندا من المؤسسين الستة للاتحاد.
واللافت أن نسبة الاقتراع لم تتجاوز 30 في المئة، وجاء الرفض بأغلبية 64 في المئة، بالرغم من أنّ المعاهدة قد دخلت حيز التنفيذ مؤقتاً منذ شهر كانون الثاني. ورأى رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، الداعم للمعاهدة، أنه من المستحيل سياسياً لحكومته، التي لا تحظى بالشعبية، أن توافق على المعاهدة بصورتها الحالية. وقال إن الحكومة ستجري مشاورات مع البرلمان والشركاء الأوروبيين «خطوة بخطوة، وهو ما قد يستغرق أياماً أو أسابيع».
من جهة أخرى، قال الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، إن بلاده ستواصل مساعيها للتقارب مع الاتحاد الأوروبي رغم رفض الناخبين الهولنديين.
وعُدّ هذا الاستفتاء بمثابة اختبار للشارع الأوروبي عموماً لمدى قبوله الاتحاد، وخصوصاً أنه جاء قبل مئة يوم تقريباً من استفتاء خروج بريطانيا، فيما أمَل رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ألّا تؤثر هذه النتيجة في رأي الناخبين البريطانيين في الاستفتاء في حزيران المقبل.
وكان زعيم «حزب الحرية» الهولندي، غيرت وايلدرز، قد رأى، أول من أمس، أنّه «إذا صوت الهولنديون بالرفض، فهذا يدلّ على أن الناخبين البريطانيين سيصوتون بدورهم بالرفض». وقاد «حزب الحرية» اليميني، المتحالف مع حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي بزعامة مارين لوبان في البرلمان الأوروبي، حملةً للتصويت المناهض للمعاهدة إلى جانب «الحزب الاشتراكي» في البلاد بقيادة، إيميل رومير.
أما الأسباب التي جعلت الشارع الهولندي يتجه نحو التصويت بـ «لا» في ثاني استفتاء من هذا النوع يجري في البلاد منذ عام 2005، فهي «خليط من عدة معطيات»، وفق ما يرى الباحث الهولندي في مجال التواصل السياسي، كلايس دي فريزي. ويكمل دي فريزي في حديث لموقع «يورو أوبزرفر» أنه «ليس جميع من صوتوا بلا، أرادوا توجيه رسالةٍ برفضهم للحكومة (الهولندية)، ولا يعني ذلك أيضاً أنهم جميعاً يريدون الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا يشير أيضاً إلى أنهم جميعاً يرفضون الخطة الأوروبية لحلّ أزمة اللجوء».
من جهةٍ ثانية، فإنّ نجاح معسكر «لا» يأتي كنتيجة أن «الحكومة الهولندية والأحزاب الداعمة للمعاهدة لم ينظروا خارج حدودهم ليتعلموا الدرس من الاستفتاءات السابقة في الاتحاد الأوروبي»، وفق «يورو أوبزرفر». ويرى المحلل في شبكة «بي بي سي» البريطانية، أليكس فورسايث، بأنّ الحملة المناهضة للمعاهدة، أو «المشككين في أوروبا»، تمكنوا من التأثير في الرأي العام لناحية قولهم إن «الاستفتاء فرصة للناخبين الهولنديين للتعبير عن خيبة أملهم بالاتحاد الأوروبي»، فيما رأى أنصار «نعم» أنّ المعسكر الآخر «يحوّر النقاش» الذي يجب أن يركز على «العلاقات بين أوكرانيا، روسيا، وأوروبا».
وقد أشار دبلوماسي أوروبي إلى أن نتيجة هذا الاستفتاء «تظهر مدى فقدان الشارع الأوروبي للثقة بالاتحاد». كذلك، يشير تقرير في صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية إلى أن الاستفتاء يطرح مستقبل هولندا نفسها، لجهة أن المناهضين لأوروبا أو «اليوروفوب» مثل «حزب الحرية»، لن يتوانوا عن تنظيم استفتاء آخر حول بقاء هولندا في الاتحاد الأوروبي، ما سيكون له نتائج أخطر من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد.

استفتاء على فلاديمير بوتين؟

في هذا الإطار، رأت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن هذا الاستفتاء يمثّل تحديا للسياسة الأوروبية تجاه روسيا، حيث يقرأ بعض المحللين الرفض الهولندي للمعاهدة مع كييف بأنه «نصر لبوتين». ورحب رئيس الوزراء الروسي، ديميتري ميدفيديف، بنتيجة الاستفتاء، وقال عبر موقع «تويتر» إن ذلك «دليل على الموقف الأوروبي تجاه النظام السياسي في أوكرانيا». وكان داعمو المعاهدة قد روّجوا لفكرة أن «الاستفتاء هو على فلاديمير بوتين»، وفق تقرير في موقع «فورين بوليسي إن فوكس».
ويوضح تقرير في موقع «بوليتيكو» أن «داعمي المعاهدة ينظرون إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه متنمر يجب تلقينه درساً. ومن وجهة نظرهم، فإن رفض المعاهدة خيانة للأوكرانيين، وتعزيز لموقع الكرملين وجائزة لروسيا لتعدّيها على أوكرانيا». إلّا أنّ النظر للاستفتاء وكأنه صراع مع بوتين «يغيّر جوهر المعاهدة التي تمثّل التزاماً أوروبياً نحو أوكرانيا منذ عام 2014»، وفق «بوليتيكو».
إلّا أن المناهضين للمعاهدة مع أوكرانيا يعتقدون «أن لروسيا قلقا مبررا حول تقدم حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في دائرة نفوذها»، وفق «بوليتيكو». كذلك، فإن توثيق هولندا لعلاقتها مع كييف يهدد بالتوازي بزعزعة علاقتها مع روسيا، «وفي النتيجة، فإن هذا الأمر سيربط هولندا بالحكومة الأوكرانية الفاسدة وغير الفاعلة».
لكن، لا يوافق جميع المناهضين للمعاهدة على هذا الرأي، فقد رأى ممثل الحزب الاشتراكي الهولندي، هاري فون بومل، أنه «صحيح أن الاستفتاء أيضاً هو حول العلاقة الأوروبية الروسية، لكن لا بوتين ولا الشعب الأوكراني يقرران ما نراه مناسباً. نحن نحدد تقييمنا الخاص». ورأى فون بومل أيضاً أنه لو فاز معسكر الـ«نعم»، فإنّ «الكرملين سيحتفل أيضاً لأنّه بذلك سيضعف الاتحاد الأوروبي بتقرب أوكرانيا التي تعيش حالة حربٍ وفساد إليه».

(الأخبار)