**************************************************************

عاد، أمس، تعقّب المهاجم الثالث في مطار بروكسل الى النقطة الصفر، إثر الإفراج عمّن قدم بوصفه المشتبه فيه الرئيسي، وذلك بعد أسبوع من الاعتداءات الدامية في العاصمة البلجيكية، والتي خلّفت 35 قتيلاً.
وفي مؤشر إلى أن التهديد لا يزال كبيراً، تتخذ التحقيقات حول الشبكات الجهادية بعداً أوروبياً مع اعتقالات واتهامات جديدة في الأيام الاخيرة في كل من بلجيكا، وإيطاليا، وهولندا. وفي سياق التحقيقات، تطالب بلجيكا بتسليمها جمال الدين عوالي، وهو جزائري اعتقل يوم السبت بناءً على طلبها في إيطاليا، ويشتبه في أنه زوّر بطاقات هوية استخدمها عدد من المنفذين المحتملين لهجمات باريس، وعلى الأرجح صلاح عبد السلام أيضاً.
لكن التحقيقات في اعتداءات بروكسل تعرضت لنكسة، أمس، بعد الإفراج عن فيصل شفو، المتهم الوحيد حتى الآن في هذا الملف بارتكاب "عمليات اغتيال إرهابية". واكتفت النيابة الفدرالية البلجيكية بالقول إن "المؤشرات التي أدت إلى توقيف المدعو فيصل ش. لم يعززها تطور التحقيق الجاري". ومنذ اعتقاله الخميس، كان المحققون يحاولون تأكيد فرضيتهم القائلة إنّ هذا الرجل الذي يقدم نفسه على أنه صحافي مستقل يمكن أن يكون الشخص الثالث الذي وضع قنبلة في مطار بروكسل ولاذ بالفرار قبل أن يفجّر شريكاه نفسيهما.
وقالت وسائل إعلام بلجيكية إن سائق سيارة أجرة أقلّ "الجهاديين الثلاثة الى المطار" تعرّف إلى شفو بوصفه "الرجل صاحب القبعة" الذي أظهرته أيضاً كاميرات مراقبة الى جانب رفيقيه الانتحاريين. وبعدما أصدرت أمر بحث مرفقاً بصورة، نشرت الشرطة أمس شريط فيديو جديداً لهذا الرجل، في محاولة للتعرف اليه.
الأمر المؤكد هو أن الانتحاريين مرتبطون مباشرة بمجموعة باريس

في غضون ذلك، يبقى أنه حتى أمس، كان الأمر الوحيد المؤكد هو أن الانتحاريين الثلاثة، إبراهيم البكراوي ونجم العشراوي في المطار، وخالد البكراوي في مترو بروكسل، مرتبطون مباشرة بالمجموعة التي قتلت 130 شخصاً في باريس في 13 تشرين الثاني الماضي، وخصوصاً بالمشتبه فيه الرئيسي صلاح عبد السلام، الذي أوقف في 18 آذار في بروكسل.
تزامناً، أعلن القضاء البلجيكي توجيه تهمة "المشاركة في أنشطة مجموعة إرهابية" الى ثلاثة مشتبه فيهم أوقفوا في إطار عملية لمكافحة الارهاب نفذتها السلطات نهاية الأسبوع الماضي في مدن بلجيكية عدة. لكن النيابة الفدرالية قالت لوكالة "فرانس برس" إنه "لا صلة مباشرة مؤكدة" بين تلك الاعتقالات والاعتداءات الدامية التي هزّت بروكسل، من دون أن تدلي بمعلومات إضافية.
على خطّ مواز، أظهر تحقيق حول هجوم قالت فرنسا إنها أحبطته بعد القبض على الفرنسي رضا كريكت، يوم الخميس قرب باريس، وجود تشعبات أوروبية إضافية. وقد اعتقلت هولندا، قبل يومين، فرنسياً أقام في سوريا ويشتبه في أنّ تنظيم "داعش" كلّفه مع كريكت بشنّ هجوم ضد فرنسا. واتُّهم رجلان في بلجيكا في هذا الملف، أحدهما عبد الرحمن أ. المولود في الجزائر عام 1977، والذي حكم عليه في فرنسا عام 2005 بالسجن سبع سنوات ومنع نهائياً من دخول الاراضي الفرنسية بسبب تقديمه دعماً لوجستياً لقتلة أحمد شاه مسعود، في أفغانستان عام 2001.
وبينما استُؤنف تكريم الضحايا في بروكسل، بعدما أوقفت السلطات يوم الأحد تظاهرة لنحو 300 من مثيري الشغب القوميين في ساحة البورصة، بدأت التحقيقات تكرّس حقيقة أنّه على الرغم من المخاوف السابقة في بلجيكا حيال احتمال وقوع هجمات إرهابية كبيرة، فإنّ التفجيرات الانتحارية في المطار وفي "المترو" كشفت عن عدم قدرة السلطات البلجيكية على التصدي لعناصر تنظيم "داعش"، أياً كان ارتفاع مستوى حالة التأهب. وقد أدى عدم التواصل الجيد، وعدم تتبّع الأدلة، وإغفال المشتبه فيهم، إلى كشف القصور في أجهزة الشرطة والمخابرات، كما كشف أيضاً عن الكيفية التي يمكن أن تتصرف بها "الخلايا الجهادية" التي نمت في أوروبا وتدربت في سوريا بسرعة هائلة تجاه أحداث مثل اعتقال شخص كصلاح عبد السلام.
وقال رئيس النقابة الرئيسية لشرطة بلجيكا، فينسينت جيليه، "كان سباقاً مع الزمن"، لكنه كان سباقاً لم تستطع السلطات الفوز فيه في ظل إدراك عناصر الخلية أن السلطات تضيّق الخناق عليهم وقلة عدد العاملين في جهاز المخابرات، الذين تشير تقديرات عدة إلى أنهم يمثلون نحو نصف العدد النموذجي مقارنة بالدول الأوروبية الغنية الأخرى، إضافة إلى أنّ أجهزة الشرطة والأمن كانت قد وجدت في الفترات السابقة صعوبات بسبب نقص الاتصالات والتنسيق في مختلف البلديات عبر خط التقسيم اللغوي الذي تتميز به بلجيكا بين اللغتين الفرنسية والهولندية. وفي هذا الصدد، رأى جيليه أنّ "ما حدث كان تقريباً أمراً محتوماً".
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)