واصلت تركيا أمس إظهار اهتمامها البالغ بزيارة الملك السعودي سلمان، الذي حظي باستقبالٍ حافلٍ في أنقرة، بعد توجه الرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً إلى المطار لاستقباله. وكان أبرز المحطات، أمس، تقليد الرئيس التركي وسام الجمهورية لسلمان، كتعبيرٍ عن التوجه المتبادل في تمتين العلاقات.
وأشاد أردوغان «بالقيادة الحكيمة» للملك السعودي، وقال إنه «مما لا شك فيه أن هذه الزيارة التاريخية تشكل رسالة قوية واضحة حول مستقبل علاقاتنا». ووفق بيان للرئاسة التركية، فإنّ أردوغان أكد لسلمان أن «تعزيز العلاقات بين تركيا والعربية السعودية في كل الميادين يمثل فرصة للسلام الإقليمي والعالمي».
واستقبل أردوغان الملك سلمان في القصر الرئاسي في أنقرة، في حفل استقبال رسمي حافل، شارك فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، وعدد من الوزراء. ووصل سلمان إلى باب القصر الرئاسي على تخوم أنقرة بمواكبة الخيالة وهم يرفعون السيوف. وكان أردوغان في استقباله عند باب القصر الرئاسي الذي دخلاه محاطَين بحرس الشرف التركي، إضافة إلى 16 رجلاً آخرين، يمثل كل منهم مرحلة من مراحل التاريخ التركي.
وبحث أردوغان وسلمان العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية الأخيرة، وعلى رأسها المسألة السورية، في لقائهما. وأشارت مصادر في الرئاسة التركية لوكالة «الأناضول» إلى أن الجانبين اتفقا بخصوص مواصلة المشاورات والتعاون المتعلق بالتطورات الإقليمية، وإلى أنهما تبادلا وجهات النظر حول أجندة قمة «منظمة التعاون الإسلامي» التي ستعقد غداً وبعد غد في إسطنبول. وأضافت المصادر أن اللقاء تناول تعزيز العلاقات الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات المتبادلة، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، وقضايا أمنية أخرى.
ورأى تقرير في صحيفة «دايلي صباح» التركية أنّ «ربيع العلاقات التركية السعودية قد حلّ منذ تسلّم الملك سلمان الحكم». ووفق التقرير، فإنّ هذا «الربيع» أتى كنتيجة لواقع أن كلا الدولتين «صانعتا قرار سياسي في المنطقة»، ولهما «ميراث وثقافة ومصالح مشتركة عديدة». ورأى التقرير أن «السعودية وتركيا لا يعجبهما التحول الحاصل في الأحداث، الذي تديره القوى الغربية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط طبقاً لمصالحها». ووفق التقرير، فإنّ أكثر ما يجمع السعودية وتركيا هو «التخوّف من المدّ الإيراني»، خصوصاً بعد الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى.
من جهة أخرى، أشار مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد «واشنطن إنستيتيوت»، سونر كاغبتاي، إلى «حلف تركيا غير المرئي والعميق جداً مع السعوديين في الشرق الأوسط». وقال إن رؤية الملك سلمان التي تقوم على أن «على المسلمين السنّة الاتحاد في مواجهة تهديد إيران الشيعية، ساعدت على التخلص من بعض الاختلافات التي كانت بين تركيا والملك السابق (عبدالله)». وأضاف أن التحالف بين أنقرة والرياض هو «الآن حقيقة واقعة بالنسبة إلى السياسة الخارجية التركية». كذلك، رأى المتخصص في العلوم السياسية ومدير الأبحاث في معهد «سيانس بو غرينوبل»، جان ماركو، أن أنقرة «تحتاج إلى نقاط دعم في المنطقة».
في المقابل، رأى تقرير في صحيفة «الغارديان» البريطانية أن ما يجمع سلمان وأردوغان هو «الضغط الأميركي والأوروبي عليهما بسبب السياسة السلطوية التي يتّبعانها والانتهاك الواسع للحقوق المدنية ولحقوق الإنسان الذي يقومان به». ووفق التقرير، فإنّ كلاً من أردوغان وسلمان مستاء ممّا يراه «سياسة أميركية ضعيفة، خصوصاً بعد الاتفاق النووي مع طهران»، لذا يظهر أنهما «يبتعدان عن حلفائهما الغربيين التقليديين». ونقل التقرير عن الصحافية التركية نوراي ميرت قولها إن من المتوقع أن يكون هناك مزيد من «التقارب العسكري وفي مجالي الاستثمار والتجارة، ما قد يعزز توجهات أردوغان النيو إسلامية، وتصرفاته اللاديموقراطية، وتحدّيه للاتحاد الأوروبي والغرب عبر سعيه لخلق نظام رئاسي (في تركيا)». لكن ميرت أشارت، في مقالٍ في صحيفة «حرييت» التركية، إلى أنّ تركيا «محكوم عليها بالفشل» إذا لم تغيّر سياساتها، «ولم ترجع إلى عقلها وتدرك خطورة خسارتها لحلفائها التقليديين».

(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)