تونس: «الداخلية» تسترجع ضباط بن علي

  • 0
  • ض
  • ض

نجح الضغط الشعبي التونسي في إجبار الحكومة على تلبية مطالب الرأي العام بإعادة المسؤولين الأمنيين في عهد زين العابدين بن علي إلى العمل في جهاز وزارة الداخلية بعدما كانت حركة «النهضة» قد استبعدتهم فترة توليها الحكم

لم يمر الاستهداف الإرهابي لحافلة عناصر الأمن الرئاسي بالقرب من مقر وزارة الداخلية التونسية في قلب العاصمة دون نتائج عكسية. وخلفت العملية غضباً عارماً لدى الرأي العام التونسي ممّا عدّوه «ضعف» السلطات التونسية و«وهنها» في التصدي لمخططات الإرهابيين، فيما قلل وزير الداخلية من خطورة العملية، مؤكداً أن القوات الأمنية نجحت في إفشال 13 عملية إرهابية «أخطر من العملية الإرهابية في شارع محمد الخامس»، من بينها عملية كانت تستهدف مدينة سوسة «التي كان من الممكن أن تكون نتائجها وخيمة». وانتقد ناشطون تعامل وزارة الداخلية مع الظاهرة الإرهابية وحالات الارتخاء الأمني التي تعقب كل عملية وتسبب تكرار العمليات واستهدافها لأماكن حساسة مثل عمليتي باردو وسوسة، وهو السبب الذي دفع الإعلامية شهرزاد عكاشة إلى إطلاق حملة سمتها «رجّع الكفاءات ويزي (كفاية) من الخيانات» لدفع السلطات التونسية إلى إرجاع الكفاءات الأمنية التي عُزلت سنة 2011 عقب ثورة «14 يناير» بتهمة تورطها في القمع البوليسي زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي وتعيين عناصر تابعين لحركة «النهضة» الإسلامية في وزارة الداخلية، وهو ما سبب تغلغل الإرهاب منذ تلك الفترة ودخول السلاح بكميات هائلة للبلاد بحسب الحملة. ورأت عكاشة في تصريح لـ«الأخبار» أن ما حدث عام 2011 هو «تفكيك تام وممنهج لأجهزة أمن الدولة من طرف وزير الداخلية المقرب من «النهضة» آنذاك فرحات الراجحي مدعوماً برئيسة هيئة الحقيقة والكرامة حالياً سهام بن سدرين عبر تجريد وزارة الداخلية من كفاءاتها الأمنية لتقوم «النهضة» في مرحلة ثانية بملء الفراغات بعناصر تدين بالولاء لها». وتتساءل شهرزاد عكاشة: «كيف سنكافح الإرهاب وكل كفاءات وزارة الداخلية عُزلت في عهد الراجحي وبن سدرين؟»، مضيفةً أنه «جرى استبعاد كل الكفاءات التي حمت تونس في التسعينيات من ارتدادات الإرهاب الذي ضرب الجزائر والتي قامت بتفكيك خلية سليمان الإرهابية عام 2006 والتي كانت تعمل على تنظيم انقلاب على نظام الحكم آنذاك». وكان وزير الداخلية الأسبق، فرحات الراجحي قد عزل في عام 2011 قرابة 40 ضابطاً أمنياً من خيرة أبناء المؤسسة بدعوى «أنهم من أعوان «داخلية» بن علي التي سخرها لقمع الاحتجاجات وخنق الحريات»، فيما تدخلت سهام بن سدرين المقربة من الراجحي وحلّت جهاز «أمن الدولة» و«فرق الإرشاد» التي كانت تُسهم بنحو رئيسي في توفير المعلومة الاستخباراتية عن الجماعات المتشددة وكل تحركاتها وأماكن وجودها. ورأى مراقبون أن هذه الخطوات تُعَدّ سبباً في تعرض تونس، التي كانت إلى زمن غير بعيد تعرف بواحة الأمن والأمان، إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية أدت إلى استشهاد عشرات الأمنيين والعسكريين، فضلاً عن استهداف السياح خلال العمليات الإرهابية في باردو وسوسة. تؤكد شهرزاد أن عملية «محمد الخامس» التي استهدفت الأمن الرئاسي كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد ظهر للعلن أن هناك اختراقات رهيبة وسط المنظومة الأمنية، وأن الخيانات وسط وزارة الداخلية وصلت إلى مرحلة خطيرة صارت تهدد كيان الدولة بالانهيار»، وتضيف أن هذا الأمر زاد من الضغط الشعبي على حكومة «الأيادي المرتعشة» بقيادة الحبيب الصيد لوقف النزف وتواصل الخيانات في وزارة الداخلية، ومن هنا كانت حملة «رجع الكفاءات ويزي من الخيانات» منطلقاً لهذا الضغط. الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية وليد اللوقيني، لا يوافق على هذا الطرح، نافياً وجود خيانات أو تواطؤات وسط جهاز وزارة الداخلية. ولفتت عكاشة إلى أن الحملة بدأت تؤتي ثمارها، خصوصاً أن «الحكومة استجابت لأول مرة لمطالب الرأي العام عبر تغيير عدد من المسؤولين في الأجهزة الحساسة في وزارة الداخلية من خلال إقالة كاتب الدولة للأمن رفيق الشلي وإلغاء هذا المنصب وإعادة منصب مدير الأمن الوطني وتعيين عبد الرحمن الحاج علي عليه، وهو أحد أبرز رجال عهد زين العابدين بن علي الذي كان يعول عليهم في الأمن من خلال مركزه القديم، مديراً عاماً للأمن الرئاسي، وكان يعرف بانضباطه وحمله لعقيدة أمنية صلبة». وأبدت عكاشة ترحيبها بتعيين عبد الرحمن الحاج علي، مضيفةً: «ننتظر من الحاج علي تعيين الكفاءات التي خبرها في الميدان ويدرك دورها في إرجاع المنظومة الأمنية إلى سالف نشاطها والنأي بها عن التجاذبات السياسية». كذلك عُيِّن عدد من المسؤولين الأمنيين البارزين مثل عمر مسعود مديراً عاماً للأمن العمومي، وعماد عاشور مديراً عاماً للمصالح المختصة (الاستخبارات العامة) ونجيب الضاوي مديراً عاماً للمصالح الفنية، وسامي عبد الصمد متفقداً عاماً للأمن الوطني. أما أبرز المعزولين، فعاطف العمراني المحسوب على «النهضة»، وقد عينه علي العريض في شهر آب 2013 على رأس الإدارة العامة للمصالح المختصة خلفاً لمحرز الزواري المحسوب بدوره على الحركة والذي اتهمته المعارضة بتأسيس فرقة «الأمن الموازي». ولقي هذا التعيين آنذاك انتقادات واسعة من وسائل الإعلام وسياسيين، واتهمه البعض بالتورط في تسهيل عمل المهربين وحتى الإرهابيين. الناطق باسم وزارة الداخلية أكد أن التغييرات الأخيرة هي «استجابة لسنّة التداول على المناصب وسط الوزارة»، مشدداً على أن «لا توجد تصنيفات للإطارات الأمنية وكل من يمكن أن يفيد تونس هو مرحب به». من جهته، رأى الخبير الأمني، علي الزرمديني في تصريح لـ«الأخبار» أن التغييرات الأخيرة في وزارة الداخلية «متميزة» وتأتي في وقتها، لافتاً إلى أن كل المسؤولين المعينين «كفاءات عالية تستحقها الوزارة في هذا الوقت بالذات»، متوقعاً أن يحصل التجاوب بين المسؤولين المعينين ووزير الداخلية الذي سيعمل بأكثر أريحية معها، خصوصاً أنها تملك خبرة طويلة في العمل الأمني. ودعا الزرمديني إلى ضرورة الاستفادة من خبرات 120 مسؤولاً أمنياً استُبعدوا بعد الثورة لأسباب عديدة وإعادة دمجهم في خدمة الأمن الوطني.


"كل دولة يخدمها رجالها" بعد أول انتخابات عقب انتصار الثورة في تشرين الأول 2011 وفوز «الترويكا» بزعامة «النهضة»، أمسك علي العريض بوزارة الداخلية، وهو الذي خبر سجونها ليبدأ بتعيين مقربين وموالين للحركة في الأماكن الحساسة والإدارات المركزية إلى جانب مديري الأقاليم، وكان المعيار هو «الولاء قبل الكفاءة»، وطغى مبدأ «كل دولة يخدمها رجالها» وكان كل همّ العريض أن يحقق أمنية زعيم الحركة، راشد الغنوشي، بأن يجعل «الأمن مضموناً» وتكون وزارة الداخلية عصاً غليظة بيد الحاكم الجديد يضرب بها خصومه ويرهبهم. وكانت نتيجة خطوة العريض كارثية، فقد تشكلت وزارة وسط الوزارة وعرفت بفرقة «الأمن الموازي»، وكانت تدير عمليات سرية لفائدة «النهضة» فيما تحولت الصراعات الحزبية بين الإسلاميين والعلمانيين إلى حرب باردة وسط مبنى وزارة الداخلية، كان من نتائجه انفلات أمني غير مسبوق فتح المجال أمام تغلغل جماعات متطرفة وجدت جوامع مفتوحة أمامها لاستقطاب الشبان وتجنيدهم لفائدتها وإرسال الآلاف منهم إلى سوريا. ورغم تسلم حركة «نداء تونس» الحكم ـ وهي التي قدمت نفسها في الحملة الانتخابية على أنها البديل الجدي لـ«النهضة» ـ إلا أن الوضع الأمني لم يتغير. وتشير الإعلامية شهرزاد عكاشة في هذا الجانب إلى أن «تحالف الشيخين» وتقصد زعيم «النهضة»، راشد الغنوشي ومؤسس «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، حال دون تطهير وزارة الداخلية من بقايا عملاء «النهضة» وفلولهم، وكانت «الصفقة» بين الرجلين تأمين الاستقرار والسلم الاجتماعي ودعم عمل الحكومة مقابل غض الطرف عن كل الخيانات والاختراقات والتعيينات المشبوهة التي حصلت زمن «الترويكا» في وزارة الداخلية.

  • عملية «محمد الخامس» التي استهدفت الأمن الرئاسي كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير»

    عملية «محمد الخامس» التي استهدفت الأمن الرئاسي كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير»

0 تعليق

التعليقات