انتحار فرنسي: اليمين المتطرف يعزز مواقعه ويقترب من الرئاسة

اليمين المتطرف يعزز موقعاً يقرّبه من الرئاسة

  • 0
  • ض
  • ض

"الانتصار التاريخي" الذي حققته "الجبهة الوطنية"، شكل صدمة بالنسبة إلى فئات فرنسية كثيرة، حدت الحزب الاشتراكي و"الجمهوريين" إلى اتخاذ إجراءات لتقليل الأضرار خلال الجولة الثانية، فيما تمثلت في الإعلام تلويحاً بقرب وصول مارين لوبن إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية السنة المقبلة

فرض اليمين الفرنسي المتطرّف (الجبهة الوطنية)، غداة تقدمه التاريخي في الدورة الأولى من انتخابات الأقاليم، واقعاً مثيراً للجدل طرح نفسه من خلاله كبديل للسلطة الحالية، الأمر الذي ألقى بثقله على عدد كبير من الصحف الفرنسية، في ظل الحديث عن الذهاب في اتجاه ترشيح زعيمة "الجبهة الوطنية" مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية عام 2017، ولا سيما أن انتخابات الأقاليم التي ستجري دورتها الثانية، الأحد المقبل، هي آخر عملية اقتراع في فرنسا، قبل الانتخابات الرئاسية عام 2017. وفي وقت لا يزال فيه هذا البلد تحت وقع صدمة اعتداءات باريس، سجل حزب "الجبهة الوطنية" في الدورة الأولى نتيجة قياسية جديدة، بحصوله على 28% من الأصوات، متقدماً على "حزب الجمهوريين"، أكبر أحزاب المعارضة اليمينية ــ الذي يتزعمه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ــ وحلفائه الوسطيين (27%). أما الحزب الاشتراكي، بزعامة الرئيس فرنسوا هولاند، فحل في المرتبة الثالثة (23,5%). ويتقدم حزب "الجبهة الوطنية" في ست مناطق من أصل 13، بينها ثلاث مناطق أساسية، هي نور با دو كاليه/بيكاردي (شمال) حيث تتقدم مارين لوبن، وبروفانس ألب/كوت دازور (جنوب شرق) حيث تتقدم ابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبن، وفي ألزاس/شامبانيه أردين/لورين (شرق) حيث يتقدم فلوريان فيليبو واضع استراتيجية الحزب. كذلك حلّ الحزب في المرتبة الأولى في ثلاث مناطق في الوسط الشرقي (بورغونيه/فرانش كونتيه) والوسط (سنتر/فال دو لوار) والجنوب (لانغودوك روسيون/ميدي بيرينيه). وحصلت كل من مارين لوبن وماريون ماريشال لوبن على أكثر من 40% من الأصوات كل في منطقتها.

يؤكد حزب اليمين المتطرف تقدمه الثابت في كل انتخابات جرت في فرنسا منذ خمس سنوات
وفي انتظار الجولة الثانية، أعلن الحزب الاشتراكي، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، سحب مرشحيه "في الأقاليم التي تواجه مخاطر فوز "الجبهة الوطنية"، والتي لا يتقدم فيها اليسار على اليمين"، من أجل "تشكيل حاجز جمهوري" في وجه اليمين المتطرف. كذلك، وجدت المعارضة اليمينية نفسها في موقف حرج، فقد رفض ساركوزي "أي تحالف وأي انسحاب" في الأقاليم التي قد تقع في قبضة "الجبهة الوطنية". إلا أن وقع الانتصار بدا قاسياً على الصحافة الفرنسية التي أجمعت على استنتاجات متقاربة، دفعت صحيفتي "لو فيغارو" (Le Figaro) اليمينية المحافظة، ولومانيتي (l'humanité) اليسارية، إلى استخدام كلمة "صدمة" (Le Choc) على صفحتهما الأولى، لتلخيص المشهد الفرنسي، الذي أعقب انتصار "الجبهة الوطنية". وإن كان ذلك يعني شيئاً، فهو أن الجولة الأولى من انتخابات الأقاليم وضعت الإعلام، وجزءاً كبيراً من المجتمع الفرنسي، أمام واقع حاولوا التهرب منه طوال الفترة الأخيرة، وهو صعود اليمين المتطرّف الذي يشكل بالنسبة إلى هؤلاء "المصدومين"، "تهديداً لقيم الجمهورية الفرنسية وهويتها". وفيما ذكرت "لوفيغارو" في أحد مقالاتها أن "الجبهة الوطنية تتموضع بصخب في قلب مشهدنا السياسي"، مؤكدة أنه "فشل ذريع لليسار كما لليمين"، فقد نشرت صحيفة "لوموند" مقالاً لأستاذة الآداب في جامعة "ستانفورد"، سيسيل ألدوي ــ التي كانت قد نشرت كتاباً عن خطاب "الجبهة الوطنية" ــ قالت فيه إنه "بعد أسابيع قليلة على الهجمات على باريس، أظهرت فرنسا للعالم وجهاً مختلفاً عن ذاك الوجه الفخور والواجم، الذي أثار التعاطف والإعجاب". الكاتبة أوضحت أن فرنسا ظهرت بعد انتخابات المناطق "غير متسامحة، ومخالفة لوطن المثل: الحرية والمساواة والأخوة". وأضافت أن فرنسا بذلك "تستخدم الانطواء وكره الأجانب والاستبداد، لتبرير مخاوفها". صحيفة "لوباريزيان" الشعبية عنونت، من جهتها، بالقول إن "الجبهة الوطنية على أبواب السلطة"، وكتبت ناتالي شوك وهنري فيرنيه أنه "في الوقت الذي حاز فيه حزب مارين لو بن 6 مناطق، من الممكن أن يحوز ثلاثة أقاليم أخرى خلال الجولة الثانية يوم الأحد المقبل". "لم تكن الجبهة الوطنية قريبة إلى هذا الحد من السلطة" كتب شوك وفيرنيه، وأكدا أن "اللعب حصل (أول من أمس) على الرئاسة، خلال الجولة الأولى من الانتخابات"، ليخلصا إلى أن "مارين لو بن تأهلت بسهولة إلى الجولة الثانية". ورأت صحيفة "ليبيراسيون" اليسارية أن فوز اليمين المتطرف "يقترب"، معتبرة أنه "بعدما كانت غير واردة حتى الآن، فإن فكرة السيطرة على السلطة تتبلور بالنسبة إلى هذا الحزب الذي يكسب خمس نقاط في كل انتخابات". وسط كل ذلك، كان لا بدّ لرئيسة "الجبهة الوطنية" مارين لوبن أن تظهر في مظهر المنتصر، وذلك في تصريح لشبكة "بي اف ام تي في" وإذاعة "مونتي كارلو"، أكدت فيه أن "الشعب الفرنسي سئم، وهو يؤكد انتخابات بعد انتخابات ثقته في الجبهة الوطنية"، مضيفة: "أعتقد من جهتي أن الفرنسيين يرغبون في إعطاء فرصة للجبهة الوطنية". أما النائب عن "الجبهة الوطنية" جيلبير كولار فقد صرح بأنّ "لدينا الآن فكرة عمّا ستكون وطأة الموجة. أعتقد أن مارين ستصل إلى السلطة... وسيأتي يوم يكون لنا فيه امرأة رئيسة للجمهورية". وبذلك، يؤكد حزب اليمين المتطرف تقدمه الثابت في كل انتخابات جرت في فرنسا منذ خمس سنوات، بعد حصوله على 11,4% في انتخابات الأقاليم عام 2010، و17,9% في الانتخابات الرئاسية عام 2010، و24,86% في الانتخابات الأوروبية عام 2014، و25,2% في انتخابات المقاطعات في آذار 2015. ووسع قاعدته إلى جميع طبقات المجتمع، مستغلاً الرفض للطبقة السياسية التقليدية في بلد يعاني من بطالة مزمنة تطاول نحو 3,6 ملايين شخص.

  • حصلت كل من مارين لوبن وماريون ماريشال لوبن على أكثر من 40% من الأصوات كل في منطقتها

    حصلت كل من مارين لوبن وماريون ماريشال لوبن على أكثر من 40% من الأصوات كل في منطقتها (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات