قدمت نيوهامشير نوعاً آخر من العروض الانتخابية التمهيدية، أول من أمس، والنتائج التي أفرزتها أحدثت صدىً مدوياً على الجبهة الجمهورية، وأيضاً على نظيرتها الديموقراطية. وعلى الرغم من أن كافة المرشحين ما زالوا موجودين في الإطار الجامع للمشهد السياسي الانتخابي، إلا أن هذه المحطة تحديداً قد يكون من مخلّفاتها خروج حاكم نيوجيرسي كريس كريستي من السباق، بعد حلوله في المرتبة السادسة بين المرشحين الجمهوريين.
ثلاث نتائج مباشرة لانتخابات نيوهامشير: كريستي عكف عائداً إلى ولايته بعدما كان من المقرر أن يتوجه إلى نورث كارولينا حيث المحطة الانتخابية التالية، الأمر الذي أوحى بإمكانية انسحاب أول مرشح من السباق الرئاسي. الجمهوري دونالد ترامب ردّ الاعتبار لنفسه، بحلوله في المرتبة الأولى بين الجمهوريين بعد الهزيمة التي واجهها في ولاية آيوا. والديموقراطية هيلاري كلينتون كسبت لقب "الخاسر الأكبر" عن جدارة، بعدما حقق منافسها بيرني ساندرز فوزاً كاسحاً عليها بنيله 60% من الأصوات مقابل 38%، محوّلاً بذلك مقولة "السياسة فن الممكن" إلى واقع، خصوصاً لما تحمله نيوهامشير من أهمية بالنسبة إلى آل كلينتون.
خسارة كلينتون أعادت الإعلام الأميركي 24 عاماً إلى الوراء، أي إلى عام 1992، حين شكلت نيوهامشير محطة أساسية في فوز بيل كلينتون في الانتخابات الرئاسية، بعدما كان قد لاقى هزيمة مدوية في ولاية آيوا، وهو ما دفع بيل وهيلاري كلينتون إلى تمضية 8 أيام بلياليها في نيوهامشير، من أجل حض الناخبين على انتخابه. منذ ذلك الحين كسبت الولاية أهمية خاصة، وأكملت في إنقاذ العائلة من خلال انتصار هيلاري فيها، خلال تمهيديات عام 2008 أمام باراك أوباما.
تُعَدّ نيوهامشير من الولايات المهمة جداً بالنسبة إلى آل كلينتو

انطلاقاً من هذا الواقع، أعطت نتائج أول من أمس الضوء الأخضر لتحليلات كثيرة لأسباب خسارة كلينتون في أحد أبرز معاقل العائلة. البعض رأى أن آل كلينتون خسروا الطبقة العاملة، ومنهم الكاتب بنجامين والاس في مجلة "نيويوركر"، الذي أكد أن "حجم خسارة هيلاري كلينتون أمام بيرني ساندرز كان مفاجئاً"، مستنداً إلى حقيقة أن كلينتون خسرت الكثير من أصوات الشباب. وإن كان لا بدّ من حصر الموضوع في نسبة معينة، فهي "حازت واحداً من ستة أصوات لدى الشباب، فيما حازت واحداً من ثلاثة أصوات لدى المستقلين". والاس أشار إلى أن "ترشيح كلينتون يبدو هزيلاً أكثر من أي وقت مضى، وهو يقتصر على هؤلاء الذين تعتبر خبرتهم في الحياة قريبة من خبرتها"، أي على المتقدمين في السن وأيضاً على الأثرياء في الحزب الديموقراطي.
الأسباب وراء خسارة كلينتون كثيرة، وهي لا تقتصر على سياستها، ولكن على عوامل أخرى تطرّقت إليها جيسيكا تايلور في تقرير على موقع "الإذاعة الوطنية العامة"، منها عدم حصولها على أصوات النساء اللواتي شكلن 55 في المئة من الناخبين في نيوهامشير. الكاتبة أشارت إلى الخطاب المنفّر الذي ألقته وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت بهدف دعمها لكلينتون، وقالت فيه: "هناك مكان خاص في الجحيم للنساء اللواتي لا يساعدن بعضهن"، مثيرة بذلك جدلاً كبيراً إضافة إلى ما أدلت به إحدى القياديات في الحركات النسوية غلوريا ستينمان التي قالت، الأسبوع الماضي، إن "الشابات يدعمن ساندرز كي تتمكن من لقاء الشباب".
علاوة على ذلك، تعاني كلينتون من مشكلة ثقة، وهو ما أجمع عليه العديد من المحللين. ووفق تايلور، ينظر العديد من الناخبين الديموقراطيين إلى هيلاري على نحو سلبي، ولا يرونها شخصاً يهتم لأمرهم أو أهلاً للثقة، الأمر الذي أظهرته استطلاعات الرأي عشية انتخابات نيوهامشير، فقد رأى 91 في المئة أن ساندرز أهل للثقة، فيما اعتبر 5 في المئة فقط أن كلينتون أهل للثقة.
تايلور أشارت، أيضاً، إلى أن الناخبين غاضبون وقد أعربوا عن ذلك على مدى أشهر، "هم غاضبون من السياسيين، والأموال التي تنفق على السياسة، وعدم المساواة في الدخل..."، قالت الكاتبة مضيفة أن كل هذه الأمور أظهرها الناخبون في نتائج جولة نيوهامشير التمهيدية، يوم الثلاثاء، لدى كلا الحزبين.
زيف شافيتس كتب على موقع "فوكس نيوز" قبل الانتخابات قائلاً: "عندما يُكتب تاريخ الانتخابات الرئاسية، فإن نيوهامشير سيشار إليها على أنها المكان حيث ضلّت حملة كلينتون طريقها". وقال إن بيرني ساندرز لم يدخل هيلاري في هذه المتاهة، بل هي أدخلت نفسها فيها، من خلال خطأين غير متعمدين. الخطأ الأول كان محاولة إظهار نفسها على أنها شفافة في محاربة المصارف، وهو ما أشاع شعوراً عاماً بعدم الاقتناع، خصوصاً أن هيلاري كلينتون، بعد خروجها من وزارة الخارجية، "أصبحت ثرية ببيع خدماتها لمن يدفع أكثر"، وفق الكاتب.
وطالما هاجم ساندرز كلينتون بسبب علاقاتها الوثيقة بمصارف كبرى، وانتقد إلقاءها خطابات مقابل بدل أمام شركات تابعة لوول ستريت. لكنها ردت بالقول إنها انتقدت وول ستريت لسنوات. وأضافت: ليس من مصرف أكبر من أن يفشل، وليس من مدير أكبر من أن يسجن.
أما الخطأ الثاني الذي ارتكبته كلينتون في نيوهامشير، وفق شافيتس، فهو التباهي بأنها قادرة على القيام بكل المهمات، وهو ما شكل دعوة إلى الجمهور للتركيز على سجلها وفتح الأبواب التي تؤدي إلى غرفة خالية.
ولكن رغم كل الحديث عن تأثير انتخابات نيوهامشير على متابعة كلينتون لحملتها الانتخابية، يرى البعض أنّ من المتوقع أن تحوز نتائج جيدة في بقية المحطات التمهيدية، التي تعتبر أكثر تنوعاً من ولايتي آيوا وينوهامشير. فبحسب أحد استطلاعات الرأي، تتقدم كلينتون على ساندرز بـ74 نقطة لدى الناخبين السود و12 نقطة لدى الناخبين من الأصول اللاتينية. وهذا لا ينفي أن الاستطلاعات التي جرت، أخيراً، على المستوى الوطني أظهرت أن الفجوة بين المرشحين الاثنين قد بدأت تضيق منذ انتخابات آيوا، فالفوز الضيّق الذي حققته كلينتون في آيوا، اعتبره البعض فوزاً لساندرز، الذي قام بأداء أفضل من المتوقع. ووفق آخر الاستطلاعات التي قامت بها "رويترز"، حازت كلينتون 48 في المئة من أصوات المستطلعين، فيما حاز ساندرز 45 في المئة.