وفي جميع الأحوال، ستكون تركيا أمام صورة جديدة صباح الأول من نيسان المقبل، أيّاً كان الفائز، فيما لا تزال الأنظار تتركّز على مدينة إسطنبول التي ستشهد «يوم الحشر»، وذلك بالنظر إلى الآثار التي ستتركها نتيجة المعركة فيها على المعارضة كما على السلطة. فالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يراهن على الفوز في المدينة عبر مرشّحه مراد قوروم، في ما سيشكّل إشارة إلى أنه لا يزال قويّاً بما يكفي ليعدّل الدستور، ويترشّح مرّة جديدة للرئاسة. وسيعني فوزه، إذا حصل، أن النظام الرئاسي الذي أُقرّ في عام 2017، سيوسّع نفوذ الرئيس إلى النطاق البلدي بعد الرئاسي والنيابي، ويجعل مهمّة المعارضة في المرحلة المقبلة أكثر صعوبة، فيما ستفتح خسارته الطريق أمام مرشّح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، للمنافسة في رئاسيات 2028، لتكتسب المعركة على إسطنبول تالياً صفة «معركة الرئاسة لعام 2028».
ولا شكّ في أن عدم انكسار المعارضة ككلّ، سيفتح الطريق أمام إعادة تنظيم صفوفها في المرحلة المقبلة وعدم ترك الميدان شاغراً للتيار الديني - القومي الذي يمثّل جزءاً كبيراً منه حزبا «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية». في المقابل، فإن فوز السلطة في إسطنبول وأنقرة، من شأنه أن يمنحها فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي بإجراءات تقشّفية انطلاقاً من ثقة الناخب والخروج من مرحلة «اقتصاد الانتخابات» التي تجعل الضوابط المالية متفلّتة من قيودها. لكن انتصار السلطة في إسطنبول وأنقرة وإزمير مثلاً، سيفتح خزائن الدولة لبلدياتها، ما سيؤثّر أيضاً على النظام الاجتماعي فيها ويسلّم البلاد نهائياً إلى إردوغان، وفقاً لما تقوله صحيفة «جمهورييات».
وتتركّز الأنظار على «الصوت الكردي» الذي مثّل عاملاً مهمّاً في ترجيح كفة إمام أوغلو في انتخابات عام 2019، علماً أن كل المحاولات للتوصّل إلى تفاهم بين «الديموقراطية والمساواة» و«الشعب الجمهوري»، فشلت، حيث سيخوض الأول معركة إثبات الحضور بعدما تشظّت المعارضة. ومع ذلك، فإن السلطة تتّهم الحزبَين المذكورَين بالتفاهم الضمني لتجيير الأصوات لإمام أوغلو، بل هي تتّهم «حزب الرفاه من جديد» الذي انفصل عن تحالف السلطة، بأنه جزء من هذا «التواطؤ».
ومع أن استطلاعات الرأي تشير إلى معركة قاسية في إسطنبول، إذ من المتوقّع أن يفوز أحد المرشَّحَين بفارق نقطة إلى ثلاث نقاط، فإن نتائج آخر استطلاع لشركة «متروبول»، بين الـ24 والـ26 من آذار الجاري، أظهرت أن إمام أوغلو يتقدَّم خصمه قوروم بفارق أكثر من عشر نقاط: 48% مقابل 37%. ووفقاً لشركة «آريا»، فإن إمام أوغلو سيفوز بـ43% مقابل 40% لقوروم. غير أن شركتَي «آسال» و«أو آر سي» تمنحان مرشّحي السلطة والمعارضة نتائج شبه متساوية تُراوح بين 40% و41%. أيضاً، تعطي «آريا» مرشّح «الشعب الجمهوري»، منصور ياواش، أفضلية كبيرة جدّاً في أنقرة للفوز بنسبة 60% على مرشّح السلطة طورغوت ألتين أوك، الذي سينال 30%. وبحسب الشركة، فإن مرشّح «الشعب الجمهوري» في إزمير، جميل طوغاي، سينال 42.4% مقابل 38.7% لمرشّح السلطة، حمزة داغ.
وتبرز هنا أهميّة أصوات الأحزاب الصغيرة، إذ تعطي شركات الاستطلاع مرشّحَي «حزب الديموقراطية والمساواة للشعوب» الكردي، مرال بكتاش ومراد تشيبني (يرشح الحزب اثنين بالشراكة معاً لكل البلديات)، في إسطنبول من 4% إلى 7%، ومرشّح «الحزب الجيد» 4%، ومرشّح «حزب الرفاه من جديد» نحو 3%، والنسبة نفسها لمرشّح حزب «ظفر». وتسوّغ صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية موقف الحزب الكردي بعدم التحالف مع أحزاب في المعارضة، بالقول إن «المهمّ هو معرفة كم سينال مرشّح السلطة في إسطنبول. فإذا حصل على أقلّ من 40% من الأصوات، فهذا يبشّر بأن نظام إردوغان - باهتشلي سيكون في السنوات القليلة المقبلة أمام الانهيار الحتمي، وستذهب البلاد إلى انتخابات مبكرة قبل أن يكمل إردوغان ولايته، وستفقد الحرب على الأكراد مشروعيتها. أمّا في حال تعدّت أصوات السلطة الـ50%، فإن ذلك مؤشّر خطير جدّاً على تركيا». من هنا، تقول الصحيفة: «ليس المهمّ كم سينال إمام أوغلو من الأصوات، بل ما سيناله حزب الديموقراطية والمساواة للشعوب من أصوات تعزّز مكانته»، مضيفةً أن «عدم ترشيح الحزب لمرشّحين في بعض المدن كان سيواجَه باعتراض حزبي داخلي وسيفيد حزبَي السلطة، ودعم الحزب لمرشّحين من المعارضة كان سيخلق دعاية كاذبة ضدّ الحزب ويعيد تكتيل أحزاب السلطة».