موسكو | على رغم تحذيرات روسيا المتتالية، انهار سدّ «نوفا كاخوفكا» في «محطّة كاخوفسكايا للطاقة الكهرومائية» في خيرسون، بعد تعرّضه لأضرار نتيجة تبادل القصف بين القوات الأوكرانية ونظيرتها الروسية، فيما تقاذف الطرفان الاتهامات عن المتسبّب بالحادثة، والتي أدّت إلى فيضانات واسعة في المنطقة، غرقت على إثرها مجمّعات سكنية في مدينة نوفا كاخوفكا، ما اضطر السلطات الأوكرانية إلى إجلاء مئات العائلات.وأوضح رئيس إدارة مدينة «نوفا كاخوفكا»، فلاديمير ليونتييف، أن المحطّة تعرّضت لضربات ليل الإثنين - الثلاثاء، نتج منها تدمير الصمامات، وخروج المياه من السدّ بشكل «لم يَعُد قابلاً للسيطرة»، نافياً، في الوقت ذاته، تعرُّضها للتفجير. وذكرت وكالة «تاس» الروسية، بدورها، أن منسوب المياه في «نوفا كاخوفكا» في خيرسون وصل إلى خمسة أمتار، فيما أعلن ليونتييف أن المياه غمرت بالكامل ثلاثة تجمّعات سكنية في منطقة المدينة بعد تدمير السدّ، مضيفاً أنه تمّ إجلاء نحو 900 شخص من القرى على ضفاف نهر دنيبر، علماً أن أكثر من 10 مناطق تقع في منطقة الفيضانات. وأعلنت الإدارة الإقليمية لمقاطعة خيرسون، من جهتها، أنها تتّخذ التدابير اللازمة لإجلاءٍ منظَّم لسكان مدن نوفو كاخوفسكيا وجولوبريستانسكيا وأليشكينسكيا بعد تدمير المحطّة.
إزاء ذلك، حمّل الكرملين، السلطات الأوكرانية، مسؤولية تدمير السدّ. وقال الناطق باسمه، دميتري بيسكوف، إن «الهجوم عمل تخريبي متعمّد بشكل لا لبس فيه من الجانب الأوكراني، جرى التخطيط له وتنفيذه بأمر من كييف»، مضيفاً أنه يرفض «بشدّة» اتهامات السلطات الأوكرانية التي تَنسب المسؤولية عن الواقعة إلى موسكو. وأشار بيسكوف إلى أن «هذا التخريب الذي نفّذه الجانب الأوكراني في محطّة كاخوفسكايا قد يؤدّي إلى عواقب خطيرة بالنسبة إلى عشرات الآلاف من الناس في المنطقة، وكذلك عواقب بيئية وغيرها لم يتمّ تحديدها بعد». أمّا وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، فاتّهم كييف بالمسؤولية عمّا سمّاه «عملية إرهابية» في «محطّة كوخوفسكايا»، «ستكون لها عواقب بيئية خطيرة وطويلة الأمد».
في المقابل، اتّهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، روسيا، بالمسؤولية عن انهيار السدّ، فيما لفت رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، إلى أن نحو 80 منطقة سكنية يقطنها أكثر من 22 ألف نسمة أصبحت مهدّدة بالفيضانات، وأن العمل جار لإجلاء السكان عبر قطارات إلى منطقة ميكولايف.
يبلغ الطول الإجمالي للسدّ أكثر من 3.8 كيلومترات، ويحتوي على خزّان كاخوفكا بحجم 18.2 كيلومتراً مكعّباً


ويُذكر أن القائد السابق للقوات الروسية في أوكرانيا، الجنرال سيرغي سوروفيكين، حذّر، في 18 تشرين الأول الماضي، من وجود معلومات تفيد بأن النظام الأوكراني يستعدّ لشنّ هجوم صاروخي ضخم على «محطّة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية»، مبيّناً في حينه أن «تلك الأعمال يمكن أن تؤدّي إلى تدمير البنية التحتية للمراكز الصناعية الكبيرة»، وإلى «خسائر فادحة في صفوف المدنيين». واستند الاتهام الروسي لكييف بالتحضير للهجوم أيضاً إلى تصريحات للجنرال أندريه كوفالتشوك، المكلّف بقيادة هجوم خيرسون المضاد، إلى صحيفة «واشنطن بوست» في كانون الأول الماضي، أشار فيها إلى أن الجيش الأوكراني قام باختبار قاذفات «هيمارس» لإحداث ثلاثة ثقوب في جسم السدّ. وقال كوفالتشوك، في ذلك الوقت، إن كييف أرادت منْع وصول الإمدادات إلى القوات الروسية المتواجدة في المنطقة عبر «إغراق النهر»، مضيفاً أن القوات الأوكرانية أجرت «ضربة اختبارية باستخدام قذائف هيمارس على إحدى بوابات سدّ كاخوفسكايا، ما أحدث ثلاثة ثقوب في المعدن، بغرض معرفة ما إذا كان من الممكن رفع منسوب مياه دنيبر بما يكفي لإغراق المعابر الروسية، ولكن دون إحداث فيضان للقرى المجاورة».
يُذكر أن الطول الإجمالي للسدّ يبلغ أكثر من 3.8 كيلومترات، ويحتوي على خزّان كاخوفكا بحجم 18.2 كيلومتراً مكعّباً، وهو أكبر خزان على نهر دنيبر، ويمثّل في الوقت نفسه المصدر الرئيس لإمدادات المياه، بما فيها المياه العذبة، للجنوب الأوكراني الذي ضمّته روسيا إلى جانب شبه جزيرة القرم. ووفق خبراء روس، فإن من بين الأهداف لتدمير كييف للسدّ، هو فصل الضفة اليمنى من نهر دنيبر التي تسيطر أوكرانيا عليها، عن الضفة اليسرى التي تسيطر عليها روسيا، ومنْع إقامة أيّ معابر عائمة أو أيّ معابر أخرى، ولا سيما بعد تدمير كلّ الجسور التي تربط بين الضفتَين خلال الأشهر الماضية. ويشير الخبراء إلى أنه، وبناءً على طبيعة التضاريس في هذه المنطقة من مقاطعة خيرسون، فإن القوات الأوكرانية ومن خلال تدمير السد، ستنجح في إغراق الضفة اليسرى لنهر دنيبر، التي تسيطر عليها القوات الروسية، تحت الماء، لأنها أقلّ ارتفاعاً مقارنة بالضفة اليمنى للنهر، حيث تتركّز القوات الأوكرانية. وبالتالي، يوضح الخبراء أن هذا الأمر «سيعني تدمير البنية التحتية الدفاعية للقوات المسلحة الروسية (الخنادق ومستودعات الذخيرة وحقول الألغام) عشية الهجوم الأوكراني المضاد». كذلك، سيخلق الفيضان ظروفاً مناسِبة لتقدُّم القوات الأوكرانية في اتّجاه رأس جسر على كينبورن سبيت، والتي يمكن أن تتحوّل إلى جزيرة، ما يعقّد على القوات الروسية الدفاع عنها، وهو ما سيسمح - وفق الخبراء - للقوات الأوكرانية بالسيطرة على مصبّ نهر دنيبر وإلغاء حظر ميناء أوتشاكوف. أيضاً، ستسمح هذه الأوضاع للقوات الأوكرانية بتحقيق تقدُّم على جبهة زابوروجيا.
وفي أعقاب الحادثة، طمأنت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى أنّه «لا وجود لأيّ خطر مباشر» على «محطّة زابوروجيا للطاقة النووية» التي تقع شمال شرق السدّ الواقع على نهر دنيبر، خصوصاً أن المحطّة تستخدم مياه النهر - الواقع على مسافة 150 كيلومتراً منها - لتبريد وقود قلب المفاعل.
في غضون ذلك، قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن النظام الأوكراني يشنّ الهجوم الذي طالما وعد به على سبعة اتّجاهات من الجبهة، مستخدماً خمسة ألوية خلال الأيام الثلاثة الماضية. وأكّد شويغو أن «محاولات الهجوم تم إحباطها»، وأن «العدو تكبّد خسائر لا تُضاهى».