وأسفرت الخلافات ــ التي تركّزت حول التعاون في مجالَي اتفاقات الضمانات وما بعد اتفاقات الضمانات ــ بين إيران و«الذرية»، على مدى السنة ونصف السنة الأخيرة، عن صدور ثلاثة قرارات عن مجلس محافظي الوكالة ضدّ الجمهورية الإسلامية. ففي ما يخصّ اتفاقات الضمانات، تمثَّل أهمّ ملفّ موضع خلاف، في العثور على آثار اليورانيوم في ثلاث منشآت إيرانية غير معلنة. أمّا الخلافات حول ما بعد اتفاقات الضمانات، فتعود إلى إجراءات إيران في خفض التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وذلك كردّ على انسحاب واشنطن من الاتفاق؛ إجراءات من قَبيل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم من 3.5% المسموح بها في الاتفاق النووي، إلى أكثر من 60%، والتوقّف عن تنفيذ البروتوكول الإضافي (عمليات المراقبة ما بعد اتفاقات الضمانات) بما في ذلك إغلاق الكثير من كاميرات المراقبة. لكن يبدو أن إيران، وبعد صدور عدّة قرارات من مجلس المحافظين واحتمال إحالة ملفّها النووي على مجلس الأمن الدولي، قرّرت زيادة تعاونها مع الوكالة، والتحرّك في اتّجاه نَيْل رضا هذه المنظّمة الدولية. وبدأت عملية تسوية الخلافات بين الطرفيَن منذ زيارة المدير العام لـ«الذرية»، رافايل غروسي، لطهران، قبل انعقاد الاجتماع الدوري السابق لمجلس المحافظين، في آذار الماضي، إذ توصّل الطرفان إلى اتّفاقات في شأن وضع خارطة طريق حول كيفية معالجة الخلافات. وعليه، لا يُتوقّع صدور قرار ضدّ إيران في هذه الدورة من اجتماع مجلس المحافظين، كما حصل في اجتماعه الأخير، في آذار الماضي. ومع ذلك، لم تُحلّ جميع الخلافات بين الطرفَين، إلى الآن. وبحسب ما قال غروسي أخيراً، فإن الموضوعات محلّ الخلاف «معقّدة»، وإن الطرفَين لم يصلا بعد إلى «المحطّة النهائية»، فيما يتمّ العمل على معالجة وتسوية المسائل الخلافية المتبقّية.
يتزامن التعاون الإيراني مع الوكالة لحلّ القضايا الخلافية، مع جهود طهران الرامية إلى تطوير برنامجها النووي
ويتزامن التعاون الإيراني مع الوكالة لحلّ القضايا الخلافية، مع جهود طهران الرامية إلى تطوير برنامجها النووي. وفي الوقت الذي يواجه إحياء الاتفاق النووي، عقبات جادّة، تبدو إيران في صدد تطوير برنامجها النووي، بما في ذلك رفع مستوى وكمية اليورانيوم المخصّب. وتشكّل الخلافات بين الجانبَين إحدى العقبات الجادّة التي تعترض طريق المحادثات بين طهران والغرب لإحياء الصفقة النووية. لكن ذلك لا يعني أن تسوية هذه الخلافات ستؤدّي بالضرورة إلى إحياء الاتفاق، لأن القضايا والخلافات الأخرى مع الغربيين زادت - خاصّة في الأشهر التسعة الأخيرة - من الهوّة بينهما.
وتزامناً مع الاجتماع الدوري لمجلس محافظي الوكالة، تكثّفت التحركات السياسية والدبلوماسية لخفض حدّة التصعيد بين إيران والغرب. وبينما توقّفت المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي قبل نحو تسعة أشهر، وبات إحياء الاتفاق - من وجهة نظر بعض المراقبين - أشبه بالمعجزة، يدور كلام في الكواليس عن محاولات الغرب التوصّل إلى اتفاق مؤقت مع طهران في هذا الخصوص. وفي أحدث تطوّر، أفادت مصادر مطّلعة بأن سلطان عُمان، هيثم بن طارق، الذي زار طهران الأسبوع الماضي، حمل رسالةً من الولايات المتحدة إلى طهران في شأن إبرام اتفاق مؤقت. وهو الاقتراح المبنيّ بشكل عام على وقْف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، في مقابل رفع بعض العقوبات والإفراج عن أرصدة إيرانية مجمّدة. ويذهب مراقبون إلى القول إن هدف الغرب الرئيس من تقديم هذا المقترح، هو وقف تطوير برنامج إيران النووي، ومنعها من الوصول إلى القدرات التي تمكّنها من صنْع قنبلة نووية.
من جهتها، لم تعقّب إيران إلى الآن على هذا الاقتراح، علماً أنها عارضت مسألة الاتفاق المؤقّت لدى إثارته في وسائل الإعلام الغربية قبل بضعة أشهر. وعلى رغم ما تقدَّم، فإن المشاورات في شأن ملفّ الإفراج عن ثلاثة سجناء أميركيين في مقابل الإفراج عن نحو 10 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمّدة، ما زالت قائمة على قدم وساق. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أن المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، التقى أخيراً وعلى دفعات، سفير ومندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، سعيد ايرواني. وتشكّل هذه اللقاءات، وفق الصحيفة، أول اتّصال مباشر بين السلطات الإيرانية والأميركية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد إدارة دونالد ترامب. ووفق مصدر قريب من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، فإن هذه الحوارات تركّزت في الدرجة الأولى على إمكانية تبادل السجناء مع إيران.