كما كان متوقعاً، خيّمت التوترات في العلاقات الصينية - الأميركية على «منتدى شنغريلا» للأمن والدفاع الآسيوي في سنغافورة، فيما لا يبدو أنّ أي خرق إيجابي قد يحصل قريباً على صعيد العلاقات بين البلدين. فتزامناً مع إلقاء وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، التحية على وزير الدفاع الصيني، لي شانغفو، الخاضع للعقوبات الأميركية، والذي رفض، في وقت سابق، إجراء أي محادثات مع أوستن على هامش المنتدى، كانت سفن تابعة للبحرية الكندية والأميركية والبحرية تبحر عبر مضيق تايوان، متسبّبةً بحادث أميركي - صيني جديد في المضيق، هو الثاني خلال أيام قليلة.
«ناتو» جديد
في خطابه الرئيس في المنتدى، قال وزير الدفاع الصيني إنه يرى أن العالم «بعيد عن الهدوء»، وتهيمن عليه «عقلية الحرب الباردة الصاعدة». ومن دون ذكر الولايات المتّحدة بالاسم، انتقد لي ممارسات «التنمر» و«الهيمنة»، مشيراً إلى أنّه لا ينبغي السماح لها بالتجذر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما انتقد «الانتقائية» في تطبيق ما يُسمى بـ«النظام القائم على القواعد» حول العالم.
وفيما ذكّر لي بأنّ الصين ملتزمة بدعم السلام في أماكن مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا، ندّد بأنّه تزامناً مع ذلك، «تقوم بعض الدول بتوسيع قواعدها العسكرية وتعزيز وجودها العسكري وتكثيف سباق التسلح».
وتابع أنّ التوترات في المحيطين الهندي والهادئ تتزايد نتيجة للجهود المبذولة لإنشاء تحالف يشبه «حلف شمال الأطلسي» في المنطقة.
وكان بدأ أوستن خطابه، خلال المنتدى، بالحديث عن تحالف الولايات المتحدة مع دول آسيا والمحيط الهادئ، مؤكداً: «لقد أقمنا صداقات جديدة وعمقنا التحالفات القديمة». وأردف: «نحن نكثف التخطيط والتنسيق والتدريب مع أصدقائنا من بحر الصين الشرقي إلى بحر الصين الجنوبي إلى المحيط الهندي. ويشمل ذلك حلفاء أقوياء، مثل أستراليا واليابان وجمهورية كوريا والفلبين وتايلاند. كما يضم شركاء مهمين مثل الهند وإندونيسيا وفيتنام ومضيفينا هنا اليوم في سنغافورة».

أبعد من «العقوبات»
ومرة جديدة، رفض أوستن موقف الصين الرافض لعقد اجتماع بين وزيري دفاع البلدين، قبل رفع العقوبات عن الوزير الصيني، قائلاً: «أنا متأكد من أنني شخصياً خاضع لعقوبات في روسيا». وأضاف: «لكنني قادر على التحدث، في حال أردت، مع وزير الدفاع الروسي بغض النظر عن ذلك»، معتبراً أنّ سردية الصين هي مجرد «رواية خاطئة»، لمنع حصول حديث بين وزيري دفاع البلدين.
بيد أنّ الباحث في أكاديمية العلوم العسكرية في «جيش التحرير الشعبي الصيني»، شاو يانزونغ، قال لصحيفة «غلوبال تايمز»، تعقيباً على خطاب أوستن، إن ما يمنع أي تطور في العلاقات بين بكين وواشنطن هو الموقف العسكري الأميركي الحالي تجاه الصين، والذي يتماشى مع السياسة الأميركية الشاملة لاحتواء بكين في مختلف المجالات، معتبراً أنّ سياسة الاحتواء هذه هي «أكثر وضوحاً» في المجال العسكري.
وتتابع الصحيفة أنّه بينما تؤكد الولايات المتحدة أن سياستها تجاه تايوان لم تتغير، وأنّها لا تزال ملتزمة بسياسة «الصين الواحدة»، فهي تعمد في المقابل إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة إلى الجزيرة، جنباً إلى جنب مع إجراء تدريبات عسكرية مشتركة.
وبحسب شاو، فإنّ مثل هذه الإجراءات تؤكّد أنّ واشنطن تتّخذ «سلسلة من الإجراءات العدوانية المتزايدة، التي تمس المصالح الصينية الأكثر أهمية والجوهرية ومخاوفها الأمنية الرئيسية». ويتابع أنّه من المستحيل جعل العلاقات الصينية - الأميركية بالشكل الذي تريده الولايات المتّحدة، في حال استمرت هذه الممارسات الاستفزازية.

حادث جديد
وتسببت التحركات الأميركية في مضيق تايوان إلى بتوتر جديد، إذ اتهمت البحرية الأميركية، اليوم، سفينة صينية بالقيام بتحركات «خطيرة» حول مدمرة أميركية في مضيق تايوان، بعد أقل من عشرة أيام على وقوع حادث جوي بين البلدين في المنطقة.
وقالت القيادة الأميركية، في بيان، إن السفينة الصينية «قامت بمناورات خطيرة بالقرب من تشونغ هون»، أي المدمرة الأميركية التي كانت تبحر في المضيق اليوم.
وأضاف البيان أن السفينة الصينية «تجاوزت (تشونغ هون) من الجانب الأيسر ثم اعترضت طريقها على بعد 150 متراً»، موضحاً أن المدمرة «تابعت مسارها، وأبطأت إلى سرعة عشر عقد لتجنب اصطدام».
ولاحقاً، «مرت مجدداً أمام مقدمة (تشونغ هون) من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر، على بعد ألفي متر»، وواصلت الإبحار إلى جانب المدمرة الأميركية التي اقتربت منها إلى مسافة تبعد عنها أقل من 150 متراً.
ووقع هذا الحادث عندما كانت السفينة «يو إس إس تشونغ هون»، وهي مدمرة من نوع «إيغيس» تابعة للأسطول الأميركي في المحيط الهادئ، تبحر إلى جانب السفينة الكندية «إتش إم سي إس مونتريال» في مضيق تايوان الذي يبلغ عرضه 180 كيلومتراً، ويفصل الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي عن الصين القارية.
من جهته، أكّد الجيش الصيني أنّه راقب مرور السفينتين، لكنه لم يذكر وقوع أي حوادث، فيما شدد المتحدث باسم القيادة الشرقية للصين، الكولونيل شي يي، على أنّ «الدول المعنية تختلق المشاكل عمداً في مضيق تايوان، وتتعمد تأجيج المخاطر وتقوض بخبث السلام والاستقرار الإقليميين».