أحد المؤشّرات المهمّة إلى أن ثمّة فرصة لعقد صفقة ما بين طهران وواشنطن، كان الاستنفار الإسرائيلي للعرقلة
اتفاق 2015 كان التحوّل الأوّل من نوعه في السياسة الأميركية في المنطقة منذ عقود طويلة، وأعطى الإشارات الأولى إلى ثبات مشروع الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، لكن ضمن ترتيبات تحقّق ما تَعتبره واشنطن استقراراً يتيح لها الخروج الآمن، وإن كان ثبت للأميركيين أن الأمر ليس بتلك السهولة، عندما استطاعت إسرائيل دفع الرئيس السابق، دونالد ترامب، لأسباب انتخابية وليست أيديولوجية، إلى تمزيقه، وإفشاله بمفعول رجعي، وهو الأمر القليل الحدوث في السياسة الأميركية. فلسفة الاتفاق قامت على أن تحقيق استقرار يُغني الأميركيين عن الحاجة إلى وجود قوّاتهم هنا، يقتضي حصول توافقات بين الدول الرئيسة في الشرق الأوسط. وهذا ما تحدّث عنه الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، في مقابلته الشهيرة آنذاك مع مجلّة «الأتلانتيك»، حين نصح السعوديين الذين كانوا ما زالوا في ذلك الحين يربطون بالكامل أمن نظامهم بالوجود العسكري الأميركي في الخليج بالتفاهم مع إيران، حتى يُعفي بلاده من موجب الدفاع عن السعودية.
قد لا تكون متاحةً العودة إلى مثل هذا الاتّفاق قريباً، لأسباب كثيرة أهمّها ما سبقت الإشارة إليه من تأثير اللوبي الإسرائيلي في أميركا، ولا سيما على انتخابات الرئاسة والكونغرس. إلّا أن ذلك لا يمنع من التوصّل إلى اتفاقات جزئية أو جانبية كانت حتمية في ما لو استمرّ الاتفاق النووي. وإذا كان الحال كما تَقدّم، فإن الاتفاق السعودي - الإيراني ليس مزعجاً لأميركا، إلّا من حيث كونه تمّ خارج الرعاية الأميركية، وعلى مائدة خصم وندّ هو الصين. لكن مِثل هذا الاتفاق، مرّة أخرى، يريح واشنطن من الإجابة على سؤال سعودي صعب وملحّ هو: إلى أيّ مدى هي مستعدّة للدفاع عن المملكة؟ أحد المؤشّرات المهمّة إلى أن ثمّة فرصة لعقد صفقة ما بين طهران وواشنطن، كان الاستنفار الإسرائيلي للعرقلة، والذي بدأ بتسريبات إسرائيلية، نفتها واشنطن، عن أن ما يجري بحثه هو «اتفاق مؤقّت» يقضي بتجميد التخصيب النووي عند المستوى الذي وصل إليه، مقابل تعليق بعض العقوبات على طهران والإفراج عن أموال إيرانية مجمّدة، ويُستكمل بزيارة وفد أمني إسرائيلي إلى واشنطن اليوم للاطّلاع من المسؤولين الأميركيين على فحوى تلك المحادثات.
لكن الاعتراض الإسرائيلي لا يقتصر على ما يجري في المفاوضات غير المباشرة عبر السلطنة، وإنّما يتّخذ منها ذريعة لتخويف الرأي العام الإسرائيلي، وهو، أي هذا الموقف، في جوهره، معارض لاستراتيجية الخروج الأميركي من الشرق الأوسط برمّتها. ومع ذلك، يبقى ثمّة فارق بين ما يريده معظم الساسة الإسرائيليين، وما يمكن لواشنطن تسويقه للرأي العام الإسرائيلي، كاتّفاق يمكنها تقديمه له كضمانة بعدم قيام إيران بصنع سلاح نووي قد يُستخدم ضدّ تل أبيب في يوم من الأيام، أو يُصرف في توازن الردع معها. ولعلّه في هذا السياق يأتي تقييم المخابرات الأميركية الذي تحدّث عنه المبعوث الأميركي الخاص المعنيّ بالملفّ الإيراني، روبرت مالي، والذي يفيد بأن إيران ليس لديها قرار بالحصول على قنبلة نووية في هذا الوقت.