طهران | تحوّلت مسألة الحصّة المائية لإيران من نهر هيرمند (هلمند) مرّة أخرى إلى سبب للتصعيد بين الجمهورية الإسلامية وأفغانستان. فخلال العامَين الماضيَين، أعربت طهران، مراراً وبطرق مختلفة، عن استيائها من عدم تسلُّمها حصّتها المائية من نهر هيرمند، بيدَ أن الخلافات بين الجانبَين في هذا الخصوص، بلغت ذروتها خلال الأيام القليلة الماضية. وفي أحدث التطوّرات، وضع حسن كاظمي قمي، ممثّل إيران الخاص بشؤون أفغانستان ومشرف السفارة الإيرانية في كابول، مهلةً زمنية لحركة «طالبان» الحاكمة، مدّتها شهر واحد، قائلاً إنه يتعيّن على الأخيرة، خلال هذه المدّة، تزويد بلاده بحصّتها المائية من نهر هيرمند. وأضاف: «إنْ كانت ثمّة مياه ولا تسمح طالبان لها بالتدفّق، فإن الحجة تكون قد أُتمت بالنسبة إلى إيران من أن هذه القضيّة تُعدّ جزءاً من حقوق الشعب، وهي تعرف كيف يجب أن تتصرّف». لكنه لم يُعط إيضاحات وتفاصيل عمّا سيكون عليه رد فعل طهران تجاه هذه المسألة بعد انتهاء المهلة الزمنية المحدّدة.وبدأت الجولة الجديدة من التصعيد في شأن الحصة المائية الإيرانية، بعدما تحدّث الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال زيارته، يوم 17 أيار الجاري، إلى محافظة سيستان وبلوجستان (جنوب شرقي إيران) التي تعاني من أزمة مياه، عن التدفّقات المائية لنهر هيرمند. وتوجّه إلى نظام «طالبان» بنبرة تنطوي على تهديد، قائلاً: «أحذّر مسؤولي وحكّام طالبان أن يعطوا حقّ الشعب ومنطقة سيستان وبلوجستان على وجه السرعة. عليهم أن يأخذوا كلامي على محمل الجدّ لكي لا يعتبوا لاحقاً». ولكن سلطات «طالبان» لم تستسغ هذا الكلام على ما يبدو، إذ دعا الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد، الجانب الإيراني، إلى أن يَطرح مطلبه بـ«لغة ملائمة». ثم قالت، في بيان لاحق (الخميس)، إنها «ملتزمة» بالاتفاق المبرم بين البلدَين، زاعمةً، في الوقت ذاته، أنه «لا توجد مياه كافية في نهر هيرمند» لتتدفّق على إيران، بسبب الجفاف، مضيفةً أنه «لا توجد الآن أيّ مياه خلف سدّ كمال خان (على نهر هيرمند)، وإن جرت مياه سد كجكي فيه فإنها لن تصل إلى هناك».
من جهتها، تؤكد السلطات الإيرانية أن المياه موجودة في النهر بالقدر الكافي لتوفير الحصّة المائية لإيران. وفي هذا الإطار، لفت وزير الطاقة الإيراني، علي أكبر محرابيان، إلى أن «معطياتنا والمعطيات الدولية تؤكد وجود مياه في سدّ المنبع في أفغانستان»، مضيفاً أيضاً أن «حكّام طالبان أنفسهم أكدوا وجود مياه في سد كجكي». كذلك، أعلن الناطق باسم مؤسّسة الفضاء الإيرانية، حسين دليريان، ورئيس «معهد بحوث الأمم المتحدة للمياه»، كاوه مدني، بشكل منفصل، واستناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية، أن كمية المياه المخزّنة خلف سدّي «كمال خان» و«كجكي»، في الوقت الحاضر، كافية لتتدفّق على إيران. وتمّ بناء هذين السدّين على نهر هيرمند داخل الأراضي الأفغانية.
منذ استيلاء «طالبان» على الحُكم في أفغانستان، ازدادت الاشتباكات الحدودية بين البلدين


على أن الجدل المُثار بين إيران وأفغانستان حول التدفقات المائية لنهر هيرمند ليس بجديد؛ إذ كان الرئيس الأفغاني السابق، محمد أشرف غني، قال، قبل نحو عامين، أثناء حفل تدشين سد «كمال خان» في ولاية نيمروز: «لا نعطي المياه لأحد بالمجان. إننا جاهزون لنُبادل المياه بالنفط». ويشترك البلدان بحدود برية يصل طولها إلى 921 كيلومتراً، ويمرّ نهران مهمّان من أفغانستان (هلمند/ هيرمند وهريرود) عبر هذه الحدود ليدخلا الأراضي الإيرانية. وتمّ التوقيع على «معاهدة مياه هيرمند» في 13 آذار 1973 بين حكومة الشاه الإيراني السابق والحكومة الأفغانية آنذاك، وتضمّ مقدّمة و12 مادة وبروتوكولين ملحقَين. ووفقاً للمادة الخامسة من هذه المعاهدة، فإن «أفغانستان توافق على ألّا تتّخذ إجراءً يَحرم إيران من حقّها من الحصّة المائية لهيرمند (هلمند)... جزئياً أو كليّاً». كما ورد في المادة التاسعة منها أنه «في حالة حدوث خلاف في تفسير أو تطبيق مواد هذه المعاهدة، فإن الطرفَين سيسعيان إلى تسوية الخلاف أولاً عن طريق المحادثات الثنائية، وثانياً عن طريق المساعي الحميدة لمرجع ثالث، وفي حال لم تتوصّل هاتان الآليتان إلى النتيجة المرجوّة، فإنه سيتم إحالة الخلاف المذكور على التحكيم».
ومع تحوُّل مسألة شحّ المياه في المحافظات الشرقية الإيرانية إلى مشكلة جادّة، اضطّر كثيرون، ولا سيما من أهالي سيستان وبلوجستان، خلال السنوات الأخيرة، للهجرة إلى مناطق أخرى. وفي هذا الجانب تحديداً، تعرب السلطات الإيرانية عن قلقها من أن يسفر استمرار الوضع على ما هو عليه، إلى تحويل مناطق شرق البلاد إلى مناطق خاوية من السكان، خصوصاً أن ذلك، إنْ حدث، ينطوي على مخاطر أمنية، لكَوْن الحدود الشرقية لإيران والمتاخمة لأفغانستان وباكستان، تشهد على الدوام أنشطة من جانب المجموعات الإرهابية وكذلك مهرّبي المخدرات. كذلك، زاد موضوع عدم تسوية مسألة الحصّة المائية لإيران من هيرمند، من حدّة الانتقادات الموجّهة إلى إدارة إبراهيم رئيسي، فيما طالب بعض أعضاء البرلمان الإيراني، وفي معرض إشارتهم إلى عدم تسوية هذه القضيّة، باستجواب وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان.
ومنذ استيلاء «طالبان» على الحُكم في أفغانستان، قبل أقلّ من عامين، ازدادت الاشتباكات الحدودية بين البلدين، ونُشرت، خلال الفترة ذاتها، تقارير عدة تحدّثت عن وقوع اشتباكات بين قوات حرس حدود البلدَين في ولايتَي هرات ونيمروز الأفغانيتَين المتاخمتَين لإيران. وتزامناً مع التصعيد الحاصل بين «طالبان» وإيران حول مياه هلمند، قام مساعد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية بزيارة إلى كابول، السبت، حيث التقى مساعد رئيس أركان جيش «طالبان»، وناقشا «القضايا الحدودية وتعزيز التعاون المشترك وحلّ المشكلات»، وأكدت وزارة الدفاع الأفغانية أن الحكومة «تريد دائماً علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية وتلتزم بمزيد من التعاون معها في مختلف المجالات».
وبالتوازي مع التصعيد الحدودي بين إيران وأفغانستان، اتّسمت العلاقات السياسية بين الجانبَين بالثبات والاستقرار. وعلى رغم أن طهران لم تعترف رسميّاً بحكم «طالبان» كممثّل قانوني للشعب الأفغاني، بيدَ أن مسؤولي البلدَين التقيا مراراً وكانت هناك زيارات متبادلة. وقبل نحو ثلاثة أشهر، تمّ تسليم سفارة أفغانستان في طهران إلى ممثّلي «طالبان».