صار أكيداً أن الحزب الكردي الرئيسيّ، «الشعوب الديموقراطي»، لن يسمّي مرشّحاً خاصاً للانتخابات الرئاسية، مُعزِّزاً بخياره هذا حظوظ مرشّح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، الذي يبدو أنه قرّر دعمه، ومن الدورة الأولى، ما يعني أيضاً احتمال فوز الأخير من دون الاضطرار للذهاب إلى دورة ثانية، وفق ما تبيّنه الأرقام. وفيما لم تتّضح بصورة جليّة الوعود التي أعطاها كيليتشدار أوغلو للأكراد، وما إذا كان عازماً بالفعل على حلّ المسألة الكردية، يواصل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مساعيه لاستمالة الأحزاب الدينية الصغيرة إلى صفّه، في موازاة اشتغال ماكينة السلطة الإعلامية على شقّ صفوف المعارضة، من بوّابة تخويف قواعد «الحزب الجيّد» القومي، من المرشّح الكردي
أعلن «تحالف العمل والحرية» اليساري - ويضمّ إلى «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي المتمثّل في البرلمان، كلّاً من «حزب الحركة العمّالية»، «حزب العمل»، «اتحاد المجالس الاشتراكية»، «حزب العمّال التركي» و«حزب الحرية المجتمعية» - أنه لن يسمّي مرشّحاً خاصّاً لانتخابات رئاسة الجمهورية المزمعة في الـ14 من أيار المقبل. وتلت الرئيسة المشاركة في «الشعوب»، بيرفين بولدان، بيان التحالف، الذي اعتبر أن «الأزمات التي تعيشها تركيا، منذ عشرين عاماً، تتعمّق يوماً بعد يوم، بسبب سياسة الثنائي، حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، التي أَورثت تخريباً كبيراً في المجاليْن الاقتصادي والاجتماعي، وتضييقاً على الحريّات»، فضلاً عن أن «نظام الحكومة الرئاسي قطع أنفاس الشعوب التركية»، لذا، فإن «أكثر ما يحتاج إليه المجتمع هو إقامة ديموقراطية كاملة، وإدراج الحقوق والحريات الأساسية الإنسانية في الدستور». ولفتت بولدان إلى «(أنّنا) سنستقبل 15 أيار بأمل كبير في أن يكون التغيير الديموقراطي قد تحقّق، وأن تحقّق المعارضة الغالبيّة النيابية، وأن تُحلّ المسألة الكردية بصورة ديموقراطية وعادلة»، معتبرةً أن «مستقبل تركيا مرتبط بتحقيق الديموقراطية»، ومضيفةً أن «التخريب الكبير الذي جاءت به السلطة الحاكمة يؤكد عزمنا الكامل على محاسبتها. ولهذا السبب، لن نتقدّم بمرشّح خاص لرئاسة الجمهورية. وسنعمل على عدم إعطاء الفرصة ليفوز شخص لا يلبّي تطلّعات المواطنين، ويخلق الأعداء في السياسة الخارجية».
وجاء هذا البيان بعد يومَين من لقاء جمع زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، مرشّح «تحالف الأمّة»، كمال كيليتشدار أوغلو، للرئاسة، إلى رئيسَي «حزب الشعوب الديموقراطي» مدحت سنجار، وبيرفين بولدان. وإذ وصف الاجتماع بـ«البنّاء»، لفت سنجار الانتباه إلى أنه عُقد في مبنى البرلمان، وهو ما يعكس أهميّة أن تُحلّ المشكلات، ومنها المشكلة الكردية، تحت قبّة البرلمان، على ما قال كيليتشدار أوغلو وبولدان. وأعلن مرشّح المعارضة «(أنّنا) قدّمنا وثيقة "تحالف الأمّة" إلى "حزب الشعوب الديموقراطي"، وفيها تأكيد على استقلالية القضاء، وحماية الحريات، وإلغاء قرارات عزْل رؤساء البلديات المنتخَبين، ومنْع إغلاق الأحزاب السياسية، ومنْع العنف ضدّ المرأة»، مضيفاً أنه سيكون «لكلّ نائب الحقّ في التحدّث بلغته الأمّ أمام البرلمان، ومنها اللغة الكردية. قد يقولون إنها لغة غير معروفة للجميع. إذاً، لماذا توجد محطّة تلفزيون رسمية ناطقة بالكردية؟ يجب احترام لغات الجميع». لكنه أكد أن «اللغة الرسمية هي التركية، ولكننا سنحبط اللعبة الإمبريالية التي تميّز بين البشر وتعزّز الاستقطاب». ومن جهته، قال سنجار: «(إنّنا) ناقشنا كلّ القضايا في مرحلة تعيش فيها تركيا أزمة متعدّدة الجوانب. نحن بحاجة إلى برنامج عاجل لإصلاح الأضرار التي أَلحقتها السلطة بالمؤسّسات والمجتمع».
بدأ الإعلام الموالي للسلطة حملةً لشقّ صفوف المعارضة، مركّزاً على قواعد «الحزب الجيّد» القوميّة


وفق معظم المراقبين، فإن عدم ترشيح الحزب الكردي و«تحالف العمل والحرية» أحداً لرئاسة الجمهورية، يمثّل دعماً كبيراً غير مباشر لكيليتشدار أوغلو. وبناءً على اللقاء الذي انعقد - والذي كانت زعيمة «الحزب الجيّد» ذي الميول القومية، مرال أقشينير، تعارضه، قبل أن تبدّل رأيها في مسألة اللقاء مع الأكراد -، يميل الرأي إلى أن «الشعوب الديموقراطي» ومعه «تحالف العمل والحرية»، سيؤيّدان كيليتشدار أوغلو من الدورة الأولى للانتخابات، وهو ما سيزيد من فرص فوزه، ومن الدورة الأولى أيضاً. كذلك، تُقدِّر الاستطلاعات أن «تحالف الجمهور» سيؤيّد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وسينال ما يقرب من 40% من الأصوات، ومِثله سينال «تحالف الأمّة» ومرشّحه، كيليتشدار أوغلو، ليرجّح الصوت الكردي (10%)، في عملية حسابية بسيطة، فوز مرشّح المعارضة. وممّا يؤكد الميْل الكردي إلى التصويت لكيليتشدار أوغلو، أن رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» السابق، صلاح الدين ديميرطاش، أعلن من سجنه «طيّ صفحة إردوغان السوداء بالكامل من جانب الأكراد»، مضيفاً أن «الأكراد لن ينسوا ما فعله إردوغان بهم على امتداد السنوات الماضية. لم يَعُد عنده قبّعة، وليس لديه ما يخرجه منها من مفاجآت».
ومع أن مرال آقشينير تؤكد أن «كيليتشدار أوغلو سيكون رئيس جمهوريّتنا الثالث عشر صباح 15 أيار»، غير أن الإعلام الموالي للسلطة بدأ حملةً لشقّ صفوف المعارضة، مركّزاً على قواعد «الحزب الجيّد» القوميّة، وكيف يمكن لها أن تصوّت للمرشّح نفسه الذي سيصوّت له الأكراد. كذلك، ركّزت الصحف الموالية على أن مرشّح المعارضة، وفي حال فوزه، «سيفرّط بالهوية التركية لمصلحة الحزب الكردي المتعاون مع إرهاب "حزب العمّال الكردستاني"». وفي هذا الإطار، كتبت صحيفة «صباح» أن كيليتشدار أوغلو وعد الأكراد بإلغاء كلّ قرارات عزْل رؤساء البلديات المنتخَبين، وإعادتهم إلى مناصبهم، ونشرت تقريراً لوزارة الداخلية يُظهر، بالوثائق والصورة، التعاون بين «الشعوب» و«الكردستاني». ومن جهته، يقول عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات» الموالية، إن زعيم «الشعب الجمهوري» قد يكون وعد بإطلاق سراح عبدالله أوجالان المعتقل في جزيرة ايمرالي، مستدلّاً على ذلك من تصريحات لمسؤول في «حزب العمال الكردستاني» من أن الوقت قد حان لتحرير الزعيم «آبو»، وأن «14 أيار ليس فقط موعداً لتغيير الرئيس، بل لتغيير النظام»؛ وكذلك قول أحمد تورك، أحد زعماء «الحركة الكردية» في احتفال النوروز، إن هذه المرحلة هي «مرحلة تحرير أوجالان». في هذا الوقت، أعلن «الشعوب الديموقراطي» أنه سيخوض الانتخابات النيابية تحت لافتة «حزب اليسار الأخضر»، وأنه لن يخاطر، ولو بواحد في المئة، بسبب القضيّة المرفوعة أمام المحكمة الدستورية لإغلاقه.
وإذ تمضي خطوات المرشّحين للرئاسة في حركة كثيفة، تعطي استطلاعات الرأي محرم إينجه، الذي كان مرشّح «الشعب الجمهوري» في انتخابات عام 2018، قبل أن ينفصل عنه ويشكّل «حزب مملكت» (البلاد)، نسبة ليست قليلة قياساً إلى الأحزاب الأخرى الصغيرة، وهي 6%، فيما تُبذل جهود من أجل سحب اسمه لمصلحة كيليتشدار أوغلو.
أمّا إردوغان فيواصل مدّ يده إلى الأحزاب الدينية الصغيرة والطرق الدينية، مِن مِثل «حزب الدعوة الحرّة» الناشط في الوسط الكردي. لكنّ الباحث في الإحصاء، إرتان آقصوي، يقول إن دعم «الدعوة» لـ«تحالف الجمهور» سيفقد هذا الأخير العديد من الأصوات، وليس العكس. كذلك، حاول الرئيس التركي أن يستقطب الصوت الكردي من خلال دعوته وزير المالية السابق من أصل كردي، محمد شيمشيك، من محافظة باتمان، للعودة إلى الحزب، وإغرائه بموقع مهمّ، لكنه رفض العرض، وقال إنه ليس في وارد العمل الفاعل في السياسة. أيضاً، فاجأ فاتح إربكان، ابن الزعيم التاريخي الراحل للحركة الإسلامية في تركيا نجم الدين إربكان، الجميع بإعلانه قطْع التواصل مع «العدالة والتنمية»، وبأنه لن يدعم إردوغان للرئاسة، وسيتقدّم هو بنفسه للترشُّح.