طهران | أثار البيان الختامي الصادر عن القمّة الخليجية - الصينية المنعقدة أخيراً في الرياض، استياءً كبيراً في إيران، لِما تضمّنه من مواقف غير سارّة للأخيرة بخصوص الجزر الثلاث في الخليج الفارسي والملفّ النووي. وبلغ هذا الاستياء حدّ دعوة بعض الأوساط الإصلاحية إلى العودة إلى سياسة «لا شرقية ولا غربية»، التي تتّهم تلك الأوساط حكومة إبراهيم رئيسي بتجاوزها عبر إعلاء سياسة التوجّه شرقاً على سواها. في المقابل، بدت حكومة رئيسي، على رغم تتالي تصريحات مسؤوليها المندّدة بـ«الخطأ» الصيني، حريصة على عدم تصعيد الموقف، فيما دعت وسائل الإعلام الموالية لها، «المبهورين بالغرب»، إلى الابتعاد عن «التفسيرات الساذجة»
بدا البيان المشترك الصيني - الخليجي، الصادر خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض، غير متوقَّع بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين، الذي ظَهر انزعاجهم واضحاً من «حليفهم الاستراتيجي». وكان البيان الختامي للقمّة التي عُقدت يوم الجمعة الماضي، اعتبر أن «الملفّ النووي والصواريخ الباليستية والمسيّرات العسكرية ودعم المجموعات الإرهابية» هي مشكلات وتحدّيات تُواجهها دول الخليج في العلاقات مع إيران، داعياً إلى تسوية قضية الجزر الثلاث، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، التي تعتبرها إيران ملكاً لها فيما تدّعي الإمارات ملكيتها لها، عن طريق «المحادثات الثنائية». كما طالب البيان، إيران، بتجنّب «التدخّل في الشؤون الداخلية للدول»، واحترام «مبادئ حسن الجوار»، والالتزام بـ«معاهدة الحدّ من الانتشار النووي» والأسلحة النووية، والتعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وأثارت مجاراة الصين لمزاعم الإمارات حول الجزر الثلاث، والتي استبطنت ضرباً من التشكيك في السيادة الإيرانية، حفيظة السلطات الإيرانية أكثر من أيّ موقف آخر، وهو ما استتبع ردود فعل رافضة، على رغم أن هذه الردود بقيت مشوبة بالحذر، وابتعدت عن استخدام المفردات والعبارات الحادّة. وأفادت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، أوّل من أمس، بـ«استدعاء» السفير الصيني، بيد أن المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أوضح أن السفير «التقى» مساعد وزير الخارجية فحسب، مضيفاً أنه «تمّ خلال اللقاء التعبير عن الانزعاج الشديد من تدخّل البيان الصيني - الخليجي في موضوع سلامة التراب الإيراني، والتأكيد أن الجُزر الإيرانية الثلاث في الخليج هي جزء لا يتجزّأ من وحدة أراضي الجمهورية الإسلامية، شأنها في ذلك شأن أيّ جزء آخر من الأراضي الإيرانية، ولم ولن تكون أبداً محلّ نقاش مع أيّ دولة». وفي تصريح آخر أدلى به أمس، قال كنعاني «إنّنا نتطلّع إلى تطوير العلاقات مع الصين، ولكن لن نساوم مع أيّ طرف في ما يتعلّق بالمصالح الرئيسة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تتعلّق بوحدة أراضينا». وفي تطوّر متّصل، قام نائب رئيس الوزراء الصيني بزيارة إلى إيران أمس، بهدف «توسيع العلاقات بين البلدَين»، بحسب ما أفادت به السلطات الإيرانية. وقبل ذلك، كان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، غرّد على «تويتر» مساء السبت، من دون أن يأتي على ذكر اسم الصين، قائلاً إن «الجزر الثلاث في الخليج الفارسي، هي أجزاء لا تتجزّأ من التراب الإيراني الطاهر، وهي متعلّقة بالوطن الأمّ إلى الأبد، ولا مجاملات لدينا مع أيّ كان عندما يتعلّق الأمر بضرورة احترام وحدة الأراضي الإيرانية».
يرى داعمو حكومة رئيسي أن المواقف الأخيرة للصين لا تعني بالضرورة نقض العلاقات الاستراتيجية مع إيران


ودَفع الموقف الصيني الأخير، الأوساط السياسية والإعلامية، إلى إعادة تسليط الضوء على سياسة «التوجّه شرقاً»، والتي بدا في السنوات الأخيرة أن إيران اتّخذتها إطاراً رئيساً لسياستها الخارجية، لا سيما بعد فشل تجربة الاتفاق النووي، إثر الانسحاب الأميركي منه، وعودة العقوبات الغربية على طهران. ويقدّر المسؤولون الإيرانيون، أو قسم منهم في الحدّ الأدنى، أن النظام الدولي آخذ في التحوّل، الذي تُعدّ إحدى أهمّ ميزاته انحسار قوة الغرب، وعلى وجه التحديد أميركا، وبزوغ فجر الشرق، وعلى رأسه روسيا والصين؛ وبالتالي، فعلى بلادهم أن تركّز جهودها على الاتحاد مع الشرق. وتُعدّ الصين الشريك الاقتصادي الرئيس لإيران، لا سيما خلال السنوات التي واجهت فيها الأخيرة العقوبات الغربية. وكان البلدان قد وقّعا، قبل نحو عامين، خطّة التعاون المشترك لخمسة وعشرين عاماً، على المستويات: الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي، والتي أشّرت إلى جانب الاتفاقَين الاستراتيجيَين مع فنزويلا وروسيا، والانضمام إلى عضوية «منظّمة شنغهاي للتعاون»، إلى تَعزّز سياسة «التوجّه شرقاً» في عهد حكومة رئيسي. ومن هنا، فإن مساوقة الصين لمواقف دول الخليج، بدت مفاجئة لطهران التي تَعتبر بكين حليفاً استراتيجياً لها، وربّما كانت تتوقّع أن تبادر الصين، اتّساقاً مع مجمل سياساتها، إلى جعل الاقتصاد محوراً للتعاون مع الدول الخليجية، وأن تتحاشى خوض الموضوعات السياسية التي هي محلّ خلاف في المنطقة.
وفي هذا الإطار، وجّهت صحيفة «آرمان إمروز» الإصلاحية سهام نقدها صوب السياسة الخارجية لحكومة رئيسي، على خلفية انتهاك الأخيرة مبدأ «لا شرقية لا غربية» بوصفه مبدأ جوهرياً في السياسة الخارجية لإيران. وكتبت أن «علاقات إيران الخارجية دخلت، في الظروف الدولية الحالية، مرحلة جديدة؛ وكما تمّ التخلّي على ما يبدو عن العلاقات مع الغرب، فإنه يَظهر الآن، في ضوء تقرّب الصين من السعودية، أن يبقى توجّه الحكومة الثالثة عشرة شرقاً، عند المستوى الحالي أو أن ينخفض ويتراجع». وأضافت أنه «منذ أن طمأنّا الصين وروسيا إلى أننا لا نقيم علاقات ودّية مع أوروبا وأميركا، زالت قدرتنا على المساومة معهما. أمّا في ظلّ توازن القوى بين الشرق والغرب فحسب، يكون بوسع إيران أن تبقى مستقلّة وقوية، وهذه استراتيجية انتهكتها حكومة رئيسي، ويجب أن تتحمّل الآن المسؤولية».
في المقابل، يرى داعمو السياسة الخارجية لحكومة رئيسي أن المواقف الأخيرة للصين لا تعني بالضرورة نقض العلاقات الاستراتيجية مع إيران، وأنه يجب تقييمها في إطار متطلّبات السياسة الخارجية لقوة عالمية. وقالت صحيفة «إيران» الحكومية إن «التيار الداخلي المنبهر بالغرب قد فسّر زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية بمنزلة إدارة الصين ظهرها لعلاقاتها مع إيران، وهو تفسير يتّسم بالسذاجة في العلاقات الدولية، وقد يجد مَن يناصره طبعاً في اللعبة الإعلامية لهذه الأيام. إن هذا التفسير الساذج لا مصداقية له، لأن الدول قادرة على إجراء تعاون استراتيجي مع عدّة بلدان لا ترتبط بعلاقات عادية مع بعضها البعض. وحتى أن الدول قد تكون بينها خلافات بشأن بعض المواقف، لكنها تقيم في الوقت نفسه علاقات استراتيجية في ما بينها». واعتبرت الصحيفة، العلاقات بين إيران والصين «أكثر من استراتيجية»، لافتةً إلى أن «البيان المشترك بين الصين والسعودية، اعتُبر من جانب الإصلاحيين بمثابة إلغاء للعلاقات الاستراتيجية بين طهران وبكين، لكن الحقيقة هي أن هذه القضية لا تعني العدول عن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، على رغم أن بعض المواقف المتّخَذة في هذا البيان، لقيت ردّاً ديبلوماسياً سلبياً من جانب الجمهورية الإسلامية، ويتعيّن على السلطات الصينية إصلاح الخطأ الحاصل».