أخرجت جولة الاقتراع الأحدث في دولة الاحتلال، هذه الأخيرة، من دوّامة الانتخابات المفتوحة، مُصدّرةً قاعدة برلمانية يمكن الافتراض - أقلّه نظرياً - أنها ستستمرّ لسنوات أربع. وعكست هذه النتيجة طبيعة المتغيّرات التي شهدتها الساحتان السياسية والاجتماعية في الكيان، والتي مكَّنت تيّارات موسومة بالتطرّف الفجّ إزاء الفلسطينيين، من امتلاك زمام القرارات السياسية، التي قد يؤدّي بعضها إلى تفجير ألغام بدأت التحذيرات الإسرائيلية تتسارع من تداعياتها على الأمن القومي للدولة العبرية، وعلاقة حكومة بنيامين نتنياهو العتيدة مع إدارة جو بايدن.وأظهرت نتائج انتخابات «الكنيست الـ25» تقدّماً ملحوظاً للتيّارات المُشار إليها أعلاه، وعلى رأسها «الصهيونية الدينية» و«عوتسما يهوديت»، الذين ارتفع تمثيلهم إلى 14 مقعداً، بزيادة 8 مقاعد عن حصّتهم في «الكنيست» السابق. ويعود تعاظم هذا التمثيل، في جانب منه، إلى انتقال مُصوّتِي حزب «يمينا» الذي كان يرأسه رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، إلى تحالف الحزبَين الفاشيَين المذكورَين، جرّاء خيبته من أداء بينت، ولكون إيتمار بن غفير وبسلئيل سموتريتش أقرب إلى توجّهاته الأيديولوجية والسياسية. وعلى أيّ حال، فقد حوّلت هذه النتائج، شركاء نتنياهو، إلى عامل رئيس في تحديد مستقبله السياسي والشخصي؛ إذ إن أيّ محاولة من قِبَله للهروب من تهم الرشوة والفساد المُوجَّهة إليه، وبالتالي من مصير السجن الذي كان ينتظره، لن يُكتب لها النجاح من دون تأييد أولئك الشركاء، بمن فيهم «الحريديم». والواضح أن هؤلاء يستغلّون نقطة الضعف تلك من أجل فرض سياسات قد لا يرى نتنياهو توقيتها صائباً، إلّا إنه يحتاج إلى مجاراتهم فيها للحفاظ على استقرار حكومته، وفي الوقت نفسه تلافي تفجّر الألغام التي من شأنها أن تربك سياساته الإقليمية وعلاقاته مع إدارة بايدن.
تتصاعد من مآل تعمّق الانقسامات، وتداعياته على ما تسمّى «المناعة الاجتماعية»


في ضوء ذلك، تثير التشكيلة المرتقبة لحكومة نتنياهو، إنْ لم تطرأ مفاجآت استثنائية، مروحة من الأسئلة والتقديرات بشأن طريقة تعاملها مع القضايا الحسّاسة، والمتّصلة بالدرجة الأولى بالصراع مع الفلسطينيين، والعلاقات اليهودية - العربية، والوضع في المسجد الأقصى، والذي قد يؤدّي المساس به إلى إزكاء المواجهات في الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين، والتسريع في اندلاع هَبّة شعبية فلسطينية دفاعاً عن المقدّسات، وصولاً إلى إمكانية اندلاع مواجهة كبرى في المنطقة. أيضاً، يتركّز اهتمام قادة العدو وخبرائه، راهناً، على الموقف المحتمَل للإدارة الأميركية من تصعيد السياسات العنصرية والعدوانية، علماً أنه سيكون من مصلحة واشنطن - بعيداً عن أيّ أوهام في هذا السياق - الحفاظ على قدر من الاستقرار، وعدم الانشغال بتطوّرات دراماتيكية يمكن أن تتطوّر إلى سيناريوات أكثر خطورة.
وإلى جانب الهواجس المتّصلة بالأوضاع في الأراضي المحتلّة، تتقدّم المخاوف من تزايد الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي، في ظلّ الهيمنة اليمينية على «الكنيست» والحكومة، وتأثير ذلك على المناخ السياسي عموماً. وفي هذا الإطار، تتصاعد تحذيرات القادة والخبراء ومراكز الدراسات من مآل تعمّق الانقسامات، وتداعياته على ما تسمّى «المناعة الاجتماعية». وتأتي هذه التحذيرات في وقت تتعاظم فيه التحدّيات التي يواجهها الكيان في بيئته الإقليمية، وعلى رأسها التهديد الإيراني بكلّ عناوينه، والذي يحتاج إلى تنسيق وتكامل مع إدارة بايدن، التي تسود، هنا أيضاً، تقديرات بإمكانية تأثّر موقفها بخطوات حكومة نتنياهو.