طهران | أعقبت تأكيد المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، تجميد عمل «دوريات الإرشاد» من قِبل الهيئة المسؤولة عنها، ردود فعل واسعة ومتباينة في الوسطَين السياسي والاجتماعي في إيران. ودوريات «الأمن الأخلاقي» هذه، هي وحدة في قيادة قوى الأمن الداخلي (الشرطة) في الجمهورية الإسلامية، بدأت عملها قبل 16 عاماً في عهد حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد، وتتمثّل مهمّتها الرئيسة في ما يُطلَق عليه «مكافحة كسْر القواعد والحجاب الرديء». وشكّل أداء «الإرشاد»، على مدى السنوات الأخيرة، محلّ انتقادات، وتحوّل إلى قضيّة مثيرة للجدل في البلاد. ومع اقتراب نهاية عهد حكومة الرئيس السابق، حسن روحاني، توقّف عملها تقريباً، لكن عودة الأصوليين إلى السلطة، ممثَّلين بالرئيس إبراهيم رئيسي، أعادت إحياء نشاطاتها بصورة لافتة، فنُشرت فيديوات عديدة عن تعامل الشرطة مع النساء على خلفية لبسهنّ، ما تسبّب بانتقادات واسعة أيضاً.واندلعت الاحتجاجات الأخيرة في إيران عقب وفاة الشابة مهسا أميني، التي اعتُقلت على يَد «الإرشاد» ونُقلت إلى أحد مراكز الشرطة، حيث فارقت الحياة. وعلى رغم أنه تمّ الإعلان رسميّاً عن أن سبب وفاتها «يعود إلى مرض سابق لديها»، بيدَ أن وقوع هذا الحادث كان بمنزلة الشرارة التي ألهبت الاحتجاجات.
ويمكن أن يؤشّر إلغاء الدوريات، بشكل ضمني، إلى إمكانية إلغاء الحجاب الإجباري، على رغم أن القانون المتعلّق بهذا الأخير لا يزال سارياً. وعلى مدى الأشهر الماضية، بات قانون الحجاب غير مُطبّق على أرض الواقع، لأن الكثير من النساء الإيرانيات لا يرتدينَه في الشارع، من دون أن تردعهنّ قوات الشرطة. وكان المدعي العام الإيراني قد قال، قبل يومين من تأكيده حلّ «دوريات الإرشاد»، إن «البرلمان والمجلس الأعلى للثورة الثقافیة» يبحثان مسألة الحجاب، وسيعلنان النتائج خلال الأيام الـ 15 المقبلة؛ إن هذه القرارات يجب أن تُتّخذ تأسيساً على الحكمة والدراية». من جانبه، رأى النائب في البرلمان الإيراني، جلال رشيدي كوجي، أنّ وقْف عمل «الإرشاد» «إجراء يستحقّ الثناء، لكنّه جاء متأخّراً»، مضيفاً إنه كان ينبغي «اتخاذ هذا القرار في أوانه قبل أن تقع هذه الأحداث ونشهد فعلاً كم أن بعض التصرّفات والقرارات قادرة على المساس بالمجتمع وأمن البلاد والإضرار بثقة الشعب بالدولة». وأكد أن «لا مكان لدوريات الإرشاد في المشروع الجديد الذي أعدّه المجلس الأعلى للثورة الثقافية»، لافتاً إلى أن «القرارات مبنيّة على الإجراءات الإيجابية».
وتعقيباً منها على تصريحات المدعي العام، قالت صحيفة «شرق» إن «أيّ مؤسّسة لم تُعلّق لحدّ الآن على تصريحات حجّة الإسلام منتظري. وهذا الصمت قد يعني نهاية دوريات الإرشاد. نهاية مُرّة كان يمكن ألّا تكون مريرة لو كان المرشّحون للانتخابات الرئاسية يفون بوعودهم (حول وقْف عمل الدوريات)، أو إنْ كانت قوات الشرطة تعتذر للشعب بسبب تعاملها الحادّ مع النساء، وتجلب المتسبّبين بهذه الأحداث للمساءلة». في هذه الأثناء، أعطت وكالة الأنباء الطلابية القريبة من التيار الأصولي، تفسيراً مختلفاً لتصريحات المدعي العام، قائلةً: «في ظلّ الكلام الذي قيل، يمكن القول إن دوريات الإرشاد لم تنتهِ ولم تُلغَ، بل من المرجّح أن تتغيّر آليات تنفيذها؛ وهو الموضوع الذي كان المسؤولون، قبل اندلاع أعمال الشغب الأخيرة، بصدد اعتماد الإصلاحات اللازمة بشأنه».
وعلى خلفية ردود الفعل العالمية الواسعة على تصريحات المدعي العام، وتزايُد التكهنات باحتمال انحسار موجة الاحتجاج في إيران، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لـ«سي إن إن»، إن «هذا يتوقّف على قرار الشعب الإيراني، وهو أمر لا يعنينا».
وبينما تمرّ الاحتجاجات بأسبوعها الثاني عشر، فهي شهدت تراجعاً ملحوظاً بالفعل. ومع ذلك، نُشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بإضرابات واحتجاجات عامّة أيّام الخامس والسادس والسابع من كانون الأوّل الجاري، إذ يصادف السابع «يوم الطالب» في إيران. وفي سياق متّصل، تحدثت وسائل الإعلام عن لقاء عقده أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، مع شخصيات بارزة من التيارَين الأصولي والإصلاحي للتشاور وتبادل الآراء حول قضايا البلاد. وأعلنت أذر منصوري، الأمينة العامة لـ«حزب اتحاد شعب إيران الإسلامي الإصلاحي»، أن «آليات مختلفة طُرحت على شمخاني بدءاً من الإفراج عن المحتجين، وصولاً إلى إصلاح الدستور وتشكيل مجلس تأسيسي... لتجاوز الأزمة الحالية وإصلاح الحوكمة».