خالف أداء بولسونارو استطلاعات الرأي التي كانت توقّعت حصوله على أقلّ من ثلث أصوات الناخبين
على الجانب الآخر، فإن عدم الحسم من الجولة لأولى ربّما جنّب البلاد الدخول في مجهول ردود فعل متطرّفة من أنصار بولسونارو، الذي أثارت تصريحاته حول رفض أيّ نتيجة للانتخابات لا تُجدّد له لأربع سنوات مقبلة، قلق الجميع من حدوث قلاقل أمنية عند إعلان فوز لولا. وشكّك بولسونارو، خلال الأشهر الماضية، في قدرة نظام التصويت البرازيلي على منع التزوير، كما هاجم أطرافاً بما فيها «المحكمة الاتحادية العليا»، زاعماً أنها تتآمر لإسقاطه لمصلحة لولا، لكن دائماً من دون تقديم أيّ أدلة على مزاعمه. وسيكون على الرئيس - الذي يُلقي معظم البرازيليين باللّوم على حكومته لسوء إدارتها جائحة «كوفيد 19»، وانهيار الأمن الغذائي لقطاع عريض من مواطني دولة تساهم بعشر مجموع الإنتاج الغذائي للعالم، كما تردّي الأوضاع في غابات إقليم الأمازون الذي يُعدّ رئة الكوكب - العمل بسرعة الآن لجذب ناخبين جدد أبعد من فضائه التقليدي بين النُّخب البرجوازية الثرية وكبار مُزارعي الأبقار والفئات اليمينيّة المحافظة والأصوليين المسيحيين، فيما ثمّة بالفعل قطاعات من البرازيليين يمكن لبولسونارو استهدافها، من بينها أولئك الذين فقدوا الثقة بلولا عندما أدين بالفساد وتلقّي الرشاوى، على رغم أن الحُكم بسجن الزعيم العمّالي اثنَي عشر عاماً - قضى منها وراء القضبان 580 يوماً - نُقض في وقت لاحق لنقص الأدّلة. ولعلّ ممّا أوجد فجوةَ ثقة، أيضاً، بين لولا وقطاع من المواطنين، بحسب بعض المراقبين، هو أن ولايتَي الرجل السابقتَين زخرتا بتسويات مع المصالح البرجوازية، في حين لم ينفّذ «حزب العمّال»، طوال ما يقرب من عقد ونصف عقد في السلطة التنفيذية، سوى إصلاحات اجتماعية محدودة، وفق هؤلاء، الذين يتحدّثون أيضاً عن أن كثيراً من قادة الحزب تنفّعوا من مواقعهم الرسمية.
وخالف أداء بولسونارو استطلاعات الرأي التي كانت توقّعت حصوله على أقلّ من ثلث أصوات الناخبين في الجولة الأولى، حيث جمع 43.2% من مجموع الأصوات. كما تلقّى الرئيس دفعة معنويات قوية، بعدما حقّق أنصاره مكاسب مهمّة في الانتخابات التشريعية والمحلّية التي جرت بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية؛ إذ حصل «الحزب الليبرالي» الذي يتزعّمه على ثمانية مقاعد جديدة من أصل 27 مقعداً تمّ التصويت عليها في مجلس الشيوخ، كما أن كتلته ستكون الأكبر في مجلس النواب بحصوله على 99 مقعداً من أصل 513. وفاز حليفان للرئيس، أيضاً، بمنصبَي الحاكمَين المحلّيين لمدينة ريو دي جانيرو والعاصمة برازيليا، فيما من المرجّح كذلك أن يَحكم مؤيّد له في ساو باولو – أكبر مدن البلاد -، علماً أن الرئيس الحال يحظى بتأييد غير قليل في المدن والمراكز الحضرية، بينما تنتخب الهوامش والأطراف والأقلّيات لولا تلقائيّاً.
وسواءً نجح بولسونارو في البقاء في منصبه، أو تَمكّن لولا من إقصائه، فإن الانقسامات داخل المجتمع البرازيلي ستتكرّس، في حين ليس ثمّة تفاؤل كبير بقدرة أيّ من المرشّحَين على إنهاء حالة التردّي الاقتصادي والاجتماعي التي تعانيها البلاد تاريخياً وتفاقمت في العقد الأخير. ولم يرْقَ أيّ من برامج الطرفَين المعلَنة إلى ما تحتاج إليه البرازيل التي تعيش مشاكل بنيوية ويسودها انعدام العدالة الاجتماعية؛ إذ يغيب الحديث عن بناء نموذج جذري مستدام للنموّ الاقتصادي العام، أو إصلاح أجهزة الدولة المفتقرة إلى الكفاءة، أو وضع حدّ للفساد المستشري، أو تحديد وُجهة التعامل مع تداعيات الأزمة الأوكرانية على مستوى العالم، وتقرير طبيعة العلاقات مع فنزويلا والصين. وتحتاج البلاد، بشكل عاجل، إلى إصلاح شامل للنظام الضريبي المعقّد، وترشيد للبيروقراطية المترهّلة، واستثمارات لترميم البنية التحتية ونظام التعليم والخدمات العامة، وأيضاً بناء عقد اجتماعي جديد يسمح بكسر الشلل التشريعي الذي ينتجه نظام التمثيل النسبي الحالي، المصمَّم لمنْع هيمنة أيّ من الأحزاب على التشريع، ولكنه يفتح الباب في الوقت نفسه أمام كتلة من حوالي نصف النواب لبيْع ذممهم لِمَن يدفع أكثر.