أظهر حزب منصور عباس تبلّداً مدهشاً تجاه اقتحامات الأقصى والعدوان على غزة
كلّ ذلك دفع بـ«التجمّع» إلى نوع من المراجعة، التي انتهت بإطلاقه مطلع الشهر ورقة سياسية من خمسة بنود، وَضعها شرطاً للتحالف مع أيّ قائمة عربية ثانية، وتتضمّن التزاماً مسبقاً بعدم المشاركة في التوصية بأيّ شخصية إسرائيلية لتوكيلها بـ«المهمّة السيزيفية» المتمثّلة بتشكيل الحكومة. وعلى هذا الأساس، وقّعت «الجبهة» و«التجمّع» اتفاقاً ثُنائياً أوائل أيلول، شمل أيضاً ترتيباً للمقاعد البرلمانية، ثمّ انضمّت إلى ركْبهما لاحقاً «الحركة العربية للتغيير» برئاسة أحمد الطيبي، على الرغم من أن المعلومات التي رَشحت من المحادثات الداخلية آنذاك أفادت بأن «ثمّة بعض الخلافات حول الحصص، ولكن بالإمكان تجاوزها». وعليه، كان مفترضاً أن تُقدَّم لائحة انتخابية باسم «المشتركة» للجنة «الكنيست» يوم الخميس الماضي، تضمّ المركّبات الحزبية الثلاثة (الجبهة، التجمع والعربية للتغيير). لكن في اللحظات الاخيرة «تَعرّض التجمع للغدر»، وفق ما يصف به قياديّوه وكوادره ما حصل؛ إذ إن النائبَين عودة والطيبي «فضّلا القضاء عليه في هذه المرحلة»، وقدّما قائمة ثنائية من دونه»، في «أمر دُبّر بليل». وفي الإطار، نقلت قناة «كان» العبرية عن مصادر مقرّبة من رئيس الوزراء، يائير لبيد، أن الأخير «عمل من وراء الكواليس على تفكيك المشتركة، لضمان توصية الجبهة والعربية للتغيير بتسميته أمام الرئيس الإسرائيلي»، في إشارة إلى الشرط الذي وضعه «التجمع» للتحالف مع بقيّة الأحزاب العربية، والذي كان سيعرقل أيّ توصية من هذا النوع.
في أعقاب «طعنة الظهر» تلك، خرج رئيس قائمة «التجمع»، سامي أبو شحادة، ليُعلن في شريط مصوّر بثّه على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه كانت هناك «محاولة من أطراف عديدين للالتفاف على الحقيقة من أجل تبرير جريمتهم السياسية، ومحاصرة الصوت الوطني»، معتبراً أن «هناك قراراً سياسياً بالقضاء على التجمع (لكي يكون الطيبي وعودة جزءاً من معسكر لابيد - غانتس)»، وهو ما لم ينفِه الثُّنائي الفلسطيني، في أكثر من مقابلة. وعلى رغم إعلان «التجمع» تفاجؤه بما حصل، إلّا أن الضربة التي «أَكلها» كانت متوقَّعة، ولا سيما أن «عشّ الدبابير» هذا، سبق أن «طارت» منه «الموحّدة» بزعامة منصور عباس، بعدما سبقت حلفاءها بخطوة في مشروع «الشراكة»، بدعوى أن فلسطينيّي الـ48 «مواطنون يجب أن يحافظوا على هويّتهم، ويناضلوا في الوقت نفسه من أجل المساواة والاندماج في الدولة اليهودية»، أي أن يتحرّكوا تحت السقف الإسرائيلي المثبّت فوق رؤوسهم، منتظِرين تحسين شروط عبوديتهم. لكن حتى هذه تجاوَزها عباس، متحوّلاً إلى جلّاد لأبناء جلدته، بإبدائه تبلّداً مدهشاً تجاه اقتحامات الأقصى والعدوان على غزة، وانكشاف هشاشة «تأثيره» لناحية الميزانيات التي رَوّج لها على أنها «إنجازات» ثَبُت أنها ليست سوى وهم.
إزاء ذلك، لا يعود مستغرَباً ما تشير إليه استطلاعات الرأي الإسرائيلية من أن نسبة التصويت بين عموم الناخبين الفلسطينيين في الداخل، لن تتجاوز الـ41%، مُسجّلةً بهذا أدنى مستوى لها في تاريخ المشاركة الانتخابية. ومن شأن ذلك، إذا ما تَحقّق، أن يتهدّد القوائم العربية بعدم التمكُّن من عبور نسبة الحسم، وهو ما لن يصبّ إلّا في صالح بنيامين نتنياهو، الذي يكاد خصومه يساوونه في مستوى اليمينية والتطرّف. ومع أن تطوّرات كثيرة قد تطرأ على المشهد في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات، إلّا أن الثابت الوحيد هو ارتفاع نسب المُقاطعين من العرب، سواءٌ المبدئيّون منهم، أو أولئك الذين لم تَعُد تنطلي عليهم خديعة «التأثير البرلماني».