طهران | وسط المأزق الذي وصلت إليه محادثات إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، وتصاعُد حدّة الخلافات بين إيران والغرب، ألقى الملفّ النووي الإيراني بظلاله على الاجتماع الدوري لمجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، والذي بدأ أعماله يوم الاثنين في فيينا. وجاء الاجتماع في وقت تَحوّل فيه ملفّ العثور على جزيئات يورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية لم يُعلَن عنها، إلى أهمّ عقبة تعترض طريق تحقيق المحادثات بين إيران والغرب النتيجة المرجوّة منها. وتشترط إيران إغلاق هذا الملفّ لإحياء الاتفاق، متخوّفة من أن يتحوّل إبقاؤه مفتوحاً إلى أداة بيد الغرب لتسليط ضغوط عليها حتى في فترة ما بعد إبرام الصفقة، بينما يعارض الغرب مطلبها، ويعدّ تسويته قضية فنّية تندرج ضمن مهام الوكالة.وخلال الاجتماع الذي عُقد قبل ثلاثة أشهر لـ«الطاقة الذرية»، تمّ التصديق على قرار أعدّته الدول الأوروبية تضمّن إدانة لإيران، لتردّ الأخيرة على ذلك بتعطيل بعض كاميرات المراقبة التي كانت الوكالة قد نصبتها بموجب الاتفاق النووي. وعلى خلفية تعثّر المحادثات النووية، ونظراً إلى التصريحات الأخيرة للمدير العام لـ«الطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، برزت تكهّنات حول احتمال صدور قرار آخر عن اجتماع أيلول ضدّ طهران، لكن هذا التوقّع لم يتحقّق في النهاية. ومع ذلك، فإن الدول الأوروبية الثلاث الأطراف في المحادثات (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) أصدرت، مع الولايات المتحدة، بياناً غير ملزم، يُقال إنه حصل على دعم ثلثَي أعضاء مجلس المحافظين والبالغ عددهم 35 عضواً، ينطوي على دعم لقرار شهر حزيران. وجاء في البيان المشترك: «(إنّنا) نطالب إيران بأن تفي فوراً بالتزاماتها القانونية، وأن تَقبل من دون تأخير اقتراح المدير العام (للوكالة الدولية) حول المزيد من التعاطي لرفع الغموض ومعالجة كل القضايا العالقة المتعلّقة بمنظومة الضمانات». وأَظهرت قائمة بالدول المؤيّدة للبيان قدّمتها ألمانيا، أن 23 دولة دعمته، فيما 12 لم تؤيّده، منها الأرجنتين والبرازيل والمكسيك ومصر وجنوب أفريقيا والهند وباكستان وماليزيا والسنغال وفيتنام. وكانت 30 دولة قد صوّتت لمصلحة القرار المذكور في حزيران، فيما لم تعارضه آنذاك سوى روسيا والصين، واللتان اتّخذتا الموقف نفسه أول من أمس. وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قد اعتبر، تزامناً مع انطلاق اجتماع مجلس المحافظين، أن «صدور بيان غير بنّاء في فيينا غير مثمر البتة». وانتقد الدبلوماسي الروسي البارز، ميخائيل أوليانوف، من جهته، خلال الاجتماع، «المواقف غير البنّاءة للغرب تجاه برنامج إيران النووي السلمي»، معتبراً أن «دبلوماسية مكبّر الصوت لا تعمل».
وفيما لم يستحدث اجتماع «الطاقة الذرية» والبيان الصادر عنه أيّ جديد في الملفّ النووي، بقدْر ما مثّل تكراراً للمواقف السابقة، فقد طغت على المشهد التوقّعات بإرجاء محادثات إحياء الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي. وممّا عزّز ترجيحات التأجيل، حديث وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الأربعاء، عن أن المفاوضات «وصلت إلى طريق مسدود»، في ظلّ انشغال إدارة الرئيس جو بايدن بالانتخابات، وإصرار الطرفَين على خطوطهما الحمر.
في غضون ذلك، وفي خضمّ المواجهة بين إيران والغرب، شارك الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في اجتماع «منظّمة شنغهاي للتعاون» في مدينة سمرقند في أوزبكستان، والذي بدأت أعماله أمس الخميس بمشاركة قادة الدول الأعضاء، وعلى رأسهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وشاركت إيران في اجتماعات المنظّمة كعضو مراقب اعتباراً من عام 2005، لكن تمّت الموافقة على طلب انضمامها كعضو دائم، في اجتماع طاجيكستان الذي عُقد العام الماضي، ليضحى الملتقى، بعد انضمام أوزبكستان والهند وباكستان ثمّ إيران إليه، تجمّعاً لنصف سكّان الأرض. وتُدرج إيران عضويّتها في هذه المنظّمة في إطار سياسة «التوجّه شرقاً»، التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية، ولا سيما منذ تولّي إبراهيم رئيسي الرئاسة. وتأمل الجمهورية الإسلامية، التي تتعرّض منذ عقد من الزمن لعقوبات وضغوط غربية، أن تتمكّن في ضوء عضويّتها تلك، من تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع البلدان الأعضاء الأخرى، بما يسهم في تخفيف مفعول العقوبات الغربية ضدّها.
وفي هذا السياق، أبلغ رئيسي، نظيره الروسي، خلال لقاء جمعهما أمس على هامش قمّة سمرقند، أن التعاون يجعل الدول الخاضعة لعقوبات اقتصادية أميركية «أقوى». ورأى أن «الأميركيين يعتقدون أنهم قادرون على وقْف (تقدّم) أيّ بلد يفرضون عقوبات عليه. اعتقادهم هذا خاطئ»، مؤكداً أن طهران ترفض العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو على خلفيّة حربها على أوكرانيا. من جهته، أشاد بوتين بتطوّر العلاقات مع إيران، وذلك في لقاء هو الثاني مع رئيسي خلال شهرَين، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي إلى طهران في 19 تموز الماضي. وقال بوتين: «على المستوى الثنائي، يتطوّر التعاون بشكل إيجابي»، مضيفاً إن «العمل على اتفاقية تعاون استراتيجي طويلة الأمد بين موسكو وطهران بات شبه ناجز»، ومعلِناً أن «روسيا سترسل الأسبوع المقبل وفداً من رجال الأعمال إلى إيران للبحث في تطوير العلاقات بين البلدَين». وأكد بوتين «(أننا) نبذل كلّ ما في وسعنا لجعل إيران عضواً كاملاً في منظمة شنغهاي للتعاون».