طهران | لا ضوء في آخر نفق المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية. هذا ما يُظهره موقف الجمهورية الإسلامية عالي السقف، والذي جاء متساوقاً مع إشارة جديدة صدرت عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى أنها لا تستطيع تأكيد سلمية البرنامج النووي الإيراني، بعدما تجاوز مخزون الدولة من اليورانيوم المخصّب 19 مرّة الحدّ المسموح به، وهو ما ينبئ بأن الوكالة ليست في وارد التراجع عن اتهاماتها لطهران في مسألة المواقع النووية غير المصرّح عنها. ولعلّ أوضح تعبير عن الموقف الإيراني، جاء على لسان حسين شريعتمداري، ممثّل المرشد الأعلى في صحيفة «كيهان»، والذي قال إن المحادثات «بمنزلة الحرث في البحر أو الضرب في الحديد البارد»، وهي «لن تفضي إلى نتيجة، وتَرَون أنها لم تخرج إلى الآن من اللامكان»

يلفّ الضباب أفق إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية، فيما تتزايد الضغوط التي تهدف إلى الحيلولة دون تحقيقه. فمنذ قوبل الردّ الإيراني الثاني على المقترح الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي، بموقف سلبي من الأطراف الغربيين، تضاءلت الآمال في التوصُّل إلى اتفاق جديد. ولا يزال المسؤولون الإيرانيون يركّزون على معالجة مسألة الضمانات حول آثار اليورانيوم الذي عُثر عليها في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلَنة، إلّا أن واشنطن تصرّ، في المقابل، على رفض الشرط الإيراني ربطَ الاتفاق بهذه المسألة. وتتخوّف طهران من أن تتحوّل إشكالية الضمانات في حالة عدم تسويتها - حتى وإنْ جرى إحياء الصفقة -، إلى أداة ضغط غربيّة ضدّ الجمهورية الإسلامية. ومن هنا تحديداً، يأتي الإصرار الإيراني على طيّ هذا الملفّ، قبل التوصُّل إلى تسوية. لكن «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» التي لا تبدو في وارد التراجع عن اتهاماتها لطهران، قالت، يوم أمس، إنها لا تستطيع تأكيد إنْ كان البرنامج النووي الإيراني «سلمياً حصراً»، لا سيما وأن «مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب يتجاوز بـ19 مرّة الحدّ المسموح به».
وفي موازاة الغموض الذي يكتنف المحادثات، جاء إعلان رئيس «منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية»، محمد إسلامي، أن مؤسّسته تنوي تحويل البلاد إلى قطْب لتصميم وبناء المحطّات الذرية، ليعزّز الالتباس حيال الطريق الذي تعتزم طهران سلوكه في ما خصّ القضيّة النووية. وأكد إسلامي في ندوة حول التكنولوجيا الحديثة للطاقة والاقتصاد النووي وجني الموارد المالية، عُقدت أوّل من أمس، «(أنّنا) وضعنا على جدول أعمالنا تطوير وبناء المحطّات الذرية، ونهدف إلى توليد 10 آلاف ميغاواط كهرباء نووية». من جهته، حمّل كبير المفاوضين الروس في محادثات إحياء الاتفاق النووي، ميخائيل أوليانوف، الاتحاد الأوروبي، المسؤولية عن ما آلت إليه المحادثات، لافتاً في تغريدة عبر «تويتر»، إلى أن «إيران لن تقبل بطرق التهرّب والغموض والإبهام. لست واثقاً من أن الاتحاد الأوروبي قد نسي مَن هو المسؤول عن الوضع الحالي».
تصاعدت تحرُّكات معارضي إحياء الاتفاق النووي في الكونغرس الأميركي


وبالتزامن مع ذلك، تُكثّف إسرائيل ضغوطها للحيلولة دون إحياء الاتفاق. ففيما تحدث رئيس حكومتها، يائير لابيد، عن بلورة حملة لحمْل الحلفاء على الانسحاب من أيّ صفقة محتملة، طالب رئيس الكيان الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، القوى الدولية باعتماد مزيد من الحَزْم في مواقفها المناهضة لإيران، خلال محادثات إحياء الاتفاق النووي. وحذّر هرتسوغ، في كلمة ألقاها أمام البرلمان الألماني أوّل من أمس، من أن الجمهورية الإسلامية «لا تستحقّ منحها العمولات» التي قد تحصل عليها لدى إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة». وجاءت هذه التصريحات عشيّة زيارة يقوم بها مدير جهاز «الموساد»، يوسي كوهين، إلى الولايات المتحدة، حيث من المقرّر أن يجري محادثات مع المسؤولين الأميركيين حول التهديدات الإيرانية، ومخاطر التوصُّل إلى اتفاق في شأن المسألة النووية. وفي هذا الإطار، أعلن السفير الأميركي لدى إسرائيل، توم نايدز، أن البيت الأبيض طمأن تل أبيب إلى أن واشنطن ليست في صدد منع حليفتها من حماية نفسها في مواجهة طهران، مضيفاً أن الرئيس جو بايدن أخبر لابيد: بـ«(أنّنا) لن نقيّد يَدَ إسرائيل إطلاقاً. إنّنا على علم بالخطر الذي تمثّله إيران». وفي سياق متّصل، اعتبرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن الاتفاق لن يُبرَم في المستقبل القريب، وذكرت، نقلاً عن موقع «زمان يسرائيل»، أن المسؤولين الأميركيين أبلغوا لابيد بأنه تمّ سحب النص الجديد من على الطاولة، مضيفة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يستخدم هذه النتيجة بما يخدم مصالحه الانتخابية.
وليس بعيداً من الموقف الإسرائيلي، تصاعدت تحرُّكات معارضي إحياء الاتفاق النووي في الكونغرس الأميركي. وفي هذا الإطار، أعلن بوب مينينديز وليندسي غراهام، السناتوران الديموقراطي والجمهوري المتنفّذان واللذان سافرا إلى إسرائيل، في مؤتمر صحافي مشترك الإثنين، أن إدارة بايدن «تعهّدت» بأنه في حالة التوصُّل إلى اتفاق مع إيران، فستُحيله على الكونغرس لدراسته. ووعد السناتوران بأن يُواجَه بـ«معارضة الحزبَين». ووفق مينينديز، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، فإن نتيجة التصويت في الكونغرس ليست واضحة بأيّ حال. وقدَّم عدد كبير من السناتورات وأعضاء مجلس النواب الأميركي مقترحات، خلال الأسابيع الماضية، لعرقلة إحياء الاتفاق النووي، وحاولوا بأساليب مختلفة ألا تنتفع إيران منه حتى وإنْ تمّ إنجازه. ويتمثّل أحد المقترحات المعروضة في الطلب تحويل قانون العقوبات على إيران، والمعروف بـ«إيسا» إلى «قانون دائم». وكان هذا القانون طُبّق للمرّة الأولى - وبصورة محدودة - في عام 1996، إبّان رئاسة بيل كلينتون. وعلى الرغم من أنه جرى تمديد «إيسا» في عام 2016، لعشر سنوات أخرى، غير أن عدداً من نواب الحزبَين من حُماة إسرائيل، يطالبون بجعل هذا القانون دائماً.
على المقلب الإيراني، كتبت صحيفة «إيران» الحكومية، أمس، أن الاتفاق النووي «معلّق بسبب الألاعيب السياسية للوكالة الدولية للطاقة»، مكرّرةً أن مطالب هذه الأخيرة وتصريحات مديرها، رافاييل غروسي، «مسيسة»، و«متأثّرة بالضغوط الإسرائيلية الرامية إلى عدم إنهاء ملفّ التحقيقات حول المواقع النووية الإيرانية المشبوهة، وجعل هذا الملف مفتوحاً إلى ما لا نهاية». كما انتقد حسين شريعتمداري، ممثّل المرشد الإيراني علي خامنئي في صحيفة «كيهان» ورئيس تحريرها، أخيراً، المحادثات التي قال إنها «بمنزلة الحرث في البحر أو الضرب في الحديد البارد». وأضاف: «يمكن القول بتجرّؤ إن هذه المحادثات لن تفضي إلى نتيجة، وترون أنها لم تخرج إلى الآن من اللامكان... السبيل الوحيد المتاح، هو الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية».