لم تَعُد شركة الاتّصالات الصينية، «هواوي»، منذ ما يزيد على عامَين، مدرَجةً حتى في المراكز الخمسة الأولى لمُصنّعي الهواتف الذكية، وذلك بفعل العقوبات الأميركية التي وضعت الشركة في مأزقٍ صعب، إلى درجة حدَت برئيس مجلس إدارتها، إريك شو، إلى القول إن هدف شركته، خلال السنوات الخمس المقبلة، هو «النجاة» فقط. وفق ما تُبيّنه الأرقام، تراجعت إيرادات «هواوي» بنسبة 6% خلال الأشهر الستّة الأولى من السنة الحالية، إلى 301.6 مليار يوان صيني (45.03 مليار دولار)، مقارنةً مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ أدّت الضغوط على الاقتصاد الصيني، فضلاً عن اضطرابات فيروس «كورونا» والتحدّيات التي تُواجه سلاسل التوريد، إلى تراجع الطلب على منتَجات الشركة، ليتقلّص هامش ربحها إلى 5%، مع صافي ربْح بلغ 15.08 مليار يوان (2.25 مليار دولار)، انخفاضاً من 31.39 مليار يوان (4.68 مليارات دولار) في النصف الأوّل من عام 2021.ولعبت دوراً رئيساً في تشكيل هذا الواقع، العقوباتُ التي استمرّت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في فرضها، امتداداً لسياسة الإدارة السابقة، على رغم أنها كانت قد أبدت، في بداية عهدها، بعض الانفتاح على «هواوي». وفي هذا الإطار، كشفت وكالة «رويترز»، في تقرير حديث، أن السلطات الأميركية تدرس حظْر دخول جميع منتجات الشركة الصينية إلى الولايات المتحدة، بسبب ما قالت إنها «مخاوف من حصولها على معلومات عسكرية حسّاسة عبر معدّات للاتّصال، ونقلها إلى الصين». وأتى ذلك القرار، وفق الوكالة، إثر فتْح تحقيق أميركي في عمل أبراج تابعة لـ«هواوي» تقع قرب قواعد عسكرية ومنصّات إطلاق صواريخ على الأراضي الأميركية. وكان مجلس الشيوخ الأميركي أقرّ بالإجماع، في تشرين الأول من العام الماضي، قانوناً شدّد بموجبه القيود على شركات اتّصالات صينية، بينها «هواوي»، مانِعاً «لجنةَ الاتصالات الفيدرالية» من فحص أو إصدار تراخيص لمعدّات جديدة من تلك الشركات التي اعتبرها «مصدر خطر على الأمن القومي الأميركي».
هكذا، تحمّلت «هواوي»، باعتبارها واحداً من أكبر مُصنّعي معدّات الاتصالات في الصين، عبئاً ضخماً. ويورد موقع مجلّة «ذا ديبلومات» الأميركي، حول هذا الموضوع، أن «اسم هواوي كان من بين الكلمات الطنّانة في كثيرٍ من الوثائق الأميركية، إلى جانب المصطلحات الشائعة، مِن مِثل: الذكاء الاصطناعي، والابتكار، والتكنولوجيا، والحرب الباردة». ويلفت التقرير إلى أن «اتّخاذ واشنطن إجراءات ضدّ هواوي ليس جديداً، بل يعود إلى أكثر من عقد»، منذ أن فشلت عملية الاستحواذ المقترَحة على شركة «3Com» في اجتياز المراجعة من قِبَل «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة» (CFIUS)، عام 2008. وابتداءً من عام 2018، تصاعَدت الحملة الأميركية على «هواوي» بشكلٍ مفاجئ؛ فبالإضافة إلى محاصَرة الشركة، أجبرت واشنطن الحكومات الغربية على إبعاد «هواوي» من مشاريع شبكات الجيل الخامس، والتوقُّف عن شراء معدّاتها، بدعوى أن هذه الشبكات ستجعلها قادرة على «التجسّس» على الاتّصالات في الدول التي تَستخدم معدّاتها. وكانت النتيجة أنْ حُرمت الشركة الصينية من أسواق كبيرة، مِن مِثل بريطانيا وكندا وأستراليا وغيرها. كذلك، وجّهت الولايات المتحدة ضربة أخرى إلى «هواوي» من خلال قرار حرمان هواتف الشركة من خدمات «غوغل» الشهيرة، بعد وضعها على قائمتها السوداء، ما أدّى إلى إحجام الناس حول العالم عن شراء هواتفها. وعلى رغم أن «هواوي» سعت لتطوير خدماتها الخاصّة الشبيهة بخدمات «غوغل»، إلّا أنها واجهت معضلة في هذا المجال تَمثّلت في أن منتَجاتها ظلّت أقلّ موثوقيّة من تلك التي تقدِّمها «غوغل».
يبدو أن «هواوي» لا تزال قادرة على تحقيق إيرادات، رغم ضغط العقوبات الأميركية


مع ذلك، يبدو أن «الولايات المتحدة لم تكن قادرة تماماً على قمع التطوّر السريع لشركة هواوي، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستثمارات الشركة الكبيرة في البحث والتطوير»، وفق «ذا ديبلومات»، إذ استثمرت «هواوي» 142.7 مليار يوان في هذا المجال في عام 2021، وهو ما يمثّل 22.4% من إيرادات مبيعاتها، مسجّلةً رقماً قياسياً. أيضاً، قفزت الشركة من المركز الخامس في عام 2018، إلى المركز الثاني في عام 2021 في مجال الاستثمار في البحث والتطوير بين الشركات العالمية. وفي ما يتعلّق بشبكة الجيل الخامس، وقّعت، بحلول نهاية 2021، أكثر من 3000 عقد تجاري. أمّا في ما يخصّ قطاعات الأعمال الأخرى، فاختارت أكثر من 700 مدينة و267 شركة من شركات «Fortune 500» حول العالم، «هواوي»، لتشغيل التحوّل الرقمي، لينمو عدد شركاء الشركة الصينية إلى أكثر من 6000. أيضاً، اعتُمد أكثر من 8 ملايين مطوِّر برامج وأدوات تطوير مفتوحة المصدر من «هواوي»، مِن مِثل «openEuler» و«MindSpore» و«HarmonyOS»، لاستكشاف سيناريوات الأعمال المبتكرة ونماذج الأعمال. وفي الوقت الحالي، ونظراً إلى أن 220 مليون جهاز من أجهزة الشركة مزوَّدة بنظام «HarmonyOS»، فقد أصبح هذا النظام أسرع نظام تشغيل محطّات متنقّلة نموّاً على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ما تقدَّم، عملت «هواوي» على توسيع أعمالها في قطاعات مِن مِثل العواكس والسيارات، حيث تمكّنت من إنتاج أو شراء الرقائق الإلكترونية بنفسها، وبالتالي تقليل تأثير قيود الرقائق المتطوّرة عليها.
بناءً على ما سبق، يبدو أن «هواوي» لا تزال قادرة على تحقيق إيرادات، على رغم ضغط العقوبات الأميركية عليها. ويرجع ذلك إلى تنوّع بيئة الأعمال من جهة؛ ومن جهة أخرى، إلى واقع أن الصين والولايات المتحدة لا تزال إحداهُما تعتمد على الأخرى، ولا يمكن فصلهما تماماً في عدّة مجالات مهما علت مستويات الحرب التجارية بينهما، إذ ستؤدّي العقوبات الاقتصادية والتجارية إلى خسائر فادحة لدى الجانبين كليهما.