يبدو الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، متفائلاً إزاء فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما تُردِّد أوساطه أن الوضع سيتحسّن بعد رأس السنة، وأن الناخبين لن يخذلوه، لأنه «قدَّم لتركيا الكثير» وهو الوحيد الذي سيكون «قادراً على تقديم المزيد»، على رغم أن استطلاعات الرأي تُجمع، حتى الآن، على تضاؤل فُرصه في الفوز. وفي استطلاع حديث أجرته شركة «آريا»، ونُشرت نتائجه الأسبوع الماضي، يَظهر أن «تحالف الأمّة» الذي يجمع حزبَي المعارضة، «الشعب الجمهوري» و«الجيّد»، سيتقدَّم على «تحالف الجمهور» المؤلَّف من حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» بحصوله على 42.8 نقطة، في مقابل 38.1 نقطة لخصمه، فيما يعارض 55% النظام الرئاسي الحالي. وإذا أُضيفت أصوات أحزاب المعارضة الأخرى التي يَجمعها مع «تحالف الأمّة»، «لقاءُ الستّة»، مِن مِثل حزب «المستقبل» لأحمد داود أوغلو، و«الديموقراطية والتقدّم» لعلي باباجان، و«السعادة» لتيميل قره مللا أوغلو، إلى أصوات مرشّح مشترك تتوافق المعارضة على تسميته، فإن حظوظ هذا الأخير سترتفع إلى 47%-48%، وفق ما تُبيّنه الاستطلاعات. لكن ذلك لن يكون بالطبع كافياً لنجاحه، وخصوصاً إذا لم يَفُز أحد المرشّحين من الدورة الأولى، حيث يمكن للأصوات أن تتشتّت في الدورة الثانية لمصلحة إردوغان. وحتى الآن، يبدو أن نسبة المتردّدين ستصبّ، في الدورة الثانية، في مصلحة الرئيس الحالي، على قاعدة أن المعارضة لا تُقدّم برنامجاً اقتصاديّاً واضحاً، أو، كما يقول البعض، «بديلاً مقنعاً»، وهو ما من شأنه، بحسبهم، أن يُدخل البلاد في المجهول. ومن هنا، يُعدّ الصوت الكردي الذي يمثّله حزب «الشعوب الديموقراطي» حاسماً لجهة تقرير نتائج الانتخابات، حيث يُقدَّر بـ 10% على الأقلّ، ما يعني أن تصويت هذه النسبة أو أقلّ منها بقليل لمصلحة مرشّح المعارضة المشترك، سيؤدّي إلى فوزه بسهولة. وحتى لا تَضيع الفرصة المتاحة، يدعو قادة في «الشعوب الديموقراطي» إلى التفاف المعارضة حول مرشّح مقبول من كلّ أحزابها، ليفوز مِن الدورة الأولى، فيما يَجهد «العدالة والتنمية» في محاولة كسْب نِسب إضافية من القاعدة الكردية، تُعزّز حظوظ رئيسه بالفوز. وإذ لا يزال «لقاء الستّة» الذي يضمّ كلّ أحزاب المعارضة باستثناء «الشعوب الديموقراطي»، يواصل، منذ شباط الماضي، اجتماعاته الدورية على مستوى رؤساء الأحزاب، أعلن الرئيس التركي، أخيراً، أنه سيكون مرشّح «تحالف الجمهور»، متحدّياً المعارضة أن تُعلِن مرشّحها، مُحاوِلاً من خلال ذلك استدراج خصومه إلى الإعلان عن مرشّح في وقت مبكر جدّاً قبيل انتخابات الرئاسة المرتقبة في حزيران 2023. وتدرك المعارضة أن الإعلان عن مرشّحها الآن، من شأنه أن يمنح إردوغان مزيداً من الوقت للّعب على تقسيم صفوفها، فيما ترجّح أوساطها أن يتمّ الإعلان عن اسمه في نهاية العام الجاري، أو بداية العام المقبل. وفي هذا الإطار، تَذكر صحيفة «ميللييات» الموالية للسلطة أن المعارضة تبحث عن اسم يحظى أوّلاً بتأييد جميع أحزابها، وثانياً بثقة الأمّة، وثالثاً بثقة مؤسّسات الدولة. وتَبرز هنا مشكلة أو أكثر يحاول أركان «الستّة» تجاوزها، للخروج بمرشّح يكون قادراً على الفوز، علماً بأن «الشعب الجمهوري»، وهو أكبر أحزاب المعارضة وبفارق كبير، يرى أنه يستحقّ أن يرشِّح اسماً من صفوفه. ومع أن زعيم الحزب، كمال كيليتشدار أوغلو، يُظهر مواصفات «القائد» الصارم والمعتدل والنشيط، ما يجعل طرح اسمه ممكناً في ظروف محدّدة، إلّا أن بعض الأحزاب تصرّ على أنه لن يفوز، لأن أصله العلوي كما الكردي سيخسّرانه نسبة من أصوات السُّنّة والقوميين. ولذا، تتّجه الأنظار إلى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي هَزم مرشّح «العدالة والتنمية» بنسبة جيّدة في الانتخابات البلدية عام 2019، كمرشّح عن «الشعب الجمهوري» والمعارضة. وأمام هذا الاحتمال، بدأت السلطة، منذ مدّة، بتشويه صورة إمام أوغلو وتكبيل يدَيه من خلال سحْب القضاء المدعوم منها العديد من صلاحيات رئيس البلدية، وبالتالي إظهاره عاجزاً عن خدمة الناس. أيضاً، يَبرز اسم رئيس بلدية أنقرة، منصور صاواش، كمرشّح آخر بارز عن «الشعب الجمهوري»، إذ تُعطيه استطلاعات الرأي فرصةً متساوية مع أكرم إمام أوغلو، وربّما لكونه منتمياً سابقاً إلى «الحركة القومية» قبل خروجه منها وانضمامه إلى «الشعب الجمهوري»، وهذا ما يمنحه حظّاً لحصْد العديد من أصوات القوميين الذين لا ينتمون إلى أحزاب المعارضة. لكن ثمّة مشكلة أخرى، وهي أن أيّ مرشّح لـ«لقاء الستّة» يجب أن يكون مقبولاً لدى القاعدة الكردية، فيما صاواش يثير بعض الخشية بالنظر إلى إرثه في التيّار القومي.
يُعَدّ الصوت الكردي الذي يمثّله «الشعوب الديموقراطي» حاسماً لجهة تقرير نتائج الانتخابات


هذه الحسابات المعقّدة تفْتح الباب أمام احتمال طرح أسماء «محايدة»، يمكن، نظريّاً، أن تحشد المعارضة حولها. ومن هذه الأسماء المفاجئة، رئيس الجمهورية السابق، عبد الله غول، الذي جرى تداول اسمه في انتخابات عام 2018، مرشّحاً للمعارضة، لكنه هو نفسه لم يكن حينها متحمّساً لذلك. ويَنقل بعض الصحافيين أن غول اجتمع أخيراً مع مسؤول كبير في «الشعب الجمهوري»، وكشف أنه متحمّس هذه المرّة لترشحه. ويُنقل أن المسؤول الحزبي قال لغول إن «قواعد حزبنا تحترمك، لكنّها لن تصوّت لك»، عندها ردّ غول بالقول إن «كيليتشدار أوغلو لن يفوز إذا تَرشّح. فلماذا لا تصوّتون لي؟». وأثار جوابه تساؤلات عمّا إذا كان يفكّر جدّياً بالترشُّح، علماً بأنه لم يعلِن بعد أيّ موقف في هذا الخصوص. وبدا لافتاً التصريح الذي أدلى به رئيس حزب «السعادة»، تيميل قره مللا أوغلو، ومفاده أنه لا يجد أمراً غريباً أن يترشّح غول للرئاسة. وقال: «إنه في المرّة السابقة في عام 2018، أنا الذي اقترحت فكرة ترشيح غول للرئاسة. لكنَّ رفْض مرال آقشينير، زعيمة الحزب الجيّد، للفكرة حال دون ذلك. واليوم، يمكن أيضاً التفكير في ما نُقل عن لسان غول». وإذا كان للأخير أن يحظى بتأييد أحزاب داود أوغلو وباباجان و«السعادة» وربّما «الجيّد»، فإن ترشيحه يثير من الانقسامات أكثر من الإجماع، وخصوصاً أنه لم يُظهر سابقاً عندما كان في رئاسة الجمهورية أو حتى بعدها، شجاعة أو حزماً في العديد من المواقف تجاه إردوغان الذي «تآمر» فعليّاً لإخراجه من الحزب، في نهاية آب 2014. ويرى البعض أن تركيا تحتاج إلى مَن يأخذها إلى مرحلة جديدة بالكامل تطوي صفحة إردوغان، وهذا يعني أن القوى العلمانية لن تجد في أي مرشّح شبيه بإردوغان حلّاً لمشكلات البلاد، وأن عليها العودة إلى سياسات «أتاتوركية» وعلمانية واضحة، والخروج من سياسات العداوات الكثيرة التي أرساها الرئيس الحالي، وفق ما يرى البعض.