موسكو | لم يَحمل فجر أوّل من أمس السبت - كما كان متوقّعاً - النبأ السارّ لأوروبا بعودة تدفُّق الغاز عبر خطّ أنابيب «نورد ستريم 1»، بعد إعلان شركة «غازبروم» الروسية توقُّف الإمدادات عبره «بالكامل» إلى أجلٍ غير مسمّى، وحتى الانتهاء ممّا قالت إنه «إصلاح توربين» فيه، محمّلةً الدول الغربية مسؤولية ما آلت إليه العقوبات من انقطاع في قطع التبديل اللازمة لصيانة خطّ الأنابيب، وفق الكرملين.وتمثّل الأزمة المتقدّمة استمراراً لِما سبق حصوله عند تعليق عمل خطّ الأنابيب في تموز الماضي، على خلفية حظْر تصدير التوربينات من كندا، بسبب العقوبات، علماً بأن موسكو كانت قد اشترطت، أخيراً، الحصول على «ضمانات خطيّة» تسمح لها باسترداد التوربينات بعد تصليحها من قِبَل شركة «سيمنس» - رفض الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا منْحها إيّاها -، للالتزام بكل الاتفاقات الموقّعة في شأن ضمان ضخّ الغاز إلى أوروبا. وفي هذا الإطار، استبعد المدير العام لـ«صندوق أمن الطاقة الوطني»، قسطنطين سيمونوف، إمكانيّة إيجاد حلّ في المدى القريب، ولا سيما أن «غازبروم تريد ضمانات بعدم تطبيق العقوبات عليها، لتكفل الحصول على التوربينات من كندا من دون عوائق». من جهتها، رأت المحلّلة الرئيسيّة في «Freedom Finance Global»، ناتاليا ميلتشاكوفا، أن «غازبروم» وشركاءها الأوروبيين باتوا في «موقف صعب»، موضحةً أن «الشركة تطالب باتفاق مكتوب يحدِّد بوضوح الاستثناءات من العقوبات، ويضمن ليس فقط تسليم التوربينات إلى روسيا من دون مشاكل، بل أيضاً صيانتها في المستقبل وبلا أيّ ضغوط، وهو ما لم يقدِّم الاتحاد الأوروبي أو كندا أيّ أجوبة في شأنه».
وأمام تعنُّت الغرب وفشل ألمانيا في الضغط على دول الاتحاد لإيجاد حلول، يضع توقُّف «نورد ستريم 1»، أوروبا أمام مأزق كبير، وخصوصاً أن الشتاء على الأبواب. وعلى رغم تأكيد الدول الأوروبية أن مرافق التخزين تحت الأرض امتلأت بنسبة 80%، إلّا أن الخبير في «صندوق أمن الطاقة الوطني»، إيغور يوشكوف، حذّر من أن «اللحظة الحاسمة ستأتي قريباً، في الجزء الثاني من موسم التدفئة، حيث ستكون جميع مرافق التخزين تحت الأرض فارغة، وسيكون من الصعب للغاية أن يمرّ موسم التدفئة من دون إمدادات الغاز من روسيا». وليس هذا فحسب، إذ إن تداعيات الأزمة ستطال أسعار الغاز، مع توقُّع «غازبروم» ارتفاع الأسعار إلى أكثر من أربعة آلاف دولار للألف متر مكعّب في الشتاء، فيما رجّح خبراء أن يتخطّى السعر حاجز الخمسة آلاف دولار لكلّ ألف متر مكعّب. في هذا الإطار، توقّع كبير المحلّلين في مجموعة «تيلي تريد»، مارك جويخمان، أن تستمرّ أسعار «الوقود الأزرق» في الارتفاع لأشهر عدّة، لافتاً إلى أن ذلك «سيتسبّب في تصاعد التضخّم في دول الاتحاد الأوروبي بشكل خطير، إضافةً إلى توقُّف الإنتاج. وسيكون هناك تراجع في الاقتصاد الأوروبي وزيادة في التوتُّر الاجتماعي». وبحسب جويخمان، فإن «الارتفاع الحادّ في أسعار الغاز على خلفية انخفاض صادراته، غير مربح لروسيا»، لأن هذا الأمر «سيساهم في تعزيز البحث عن فرص لتقليل اعتماد أوروبا على موارد الطاقة الروسية. وهذا سيؤدّي إلى انخفاض حصّة الهيدروكربونات الروسية في السوق الأوروبية، وبالتالي انخفاض نسبيّ في الصادرات والعائدات».
حذّرت موسكو من وقْفٍ كامل لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، حالَ تحديد سقفٍ لسعره


أمر آخر يهدّد بانقطاع الغاز الروسي عن أوروبا، ويتعلّق بدعوة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إلى تحديد سقف لسعر الغاز المستورَد عبر خط الأنابيب من روسيا. وفي هذا المجال، أكد المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، باولو جينتيلوني، أن «اقتراح إدخال سقف سعري للغاز الروسي يمكن تطويره»، فيما كشف نائب رئيسة مديرية الطاقة في المفوضية الأوروبية، ميختيلد فورسدورفر، أن المفوضية تدرس خيارات مختلفة لخفض أسعار الغاز، بما في ذلك إدخال مثل هذه القيود على الواردات من روسيا، وعلى البيع بالجملة لهذا الوقود في محيط الاتحاد الأوروبي. وقال فورسدورفر إن وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي سيناقشون تحديد أسعار الغاز في اجتماع استثنائي من المقرَّر عقده في 9 أيلول الجاري. هذا التوجُّه الأوروبي، سرعان ما ردّت عليه موسكو على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، الذي حذّر من أن بلاده ستوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا، إذا ما فرض الاتحاد سقفاً لأسعاره.
وتتزامن هذه التطورات مع إعلان وزراء مالية دول «مجموعة السبع» (بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة)، الاتفاق على «تحديد سقف لأسعار إمدادات النفط والغاز من روسيا»، بهدف «تقليل قدرة موسكو على تمويل حربها العدوانية (على أوكرانيا)، إلى جانب الحدّ من تأثير الحرب الروسية على أسعار الطاقة العالمية». بالإضافة إلى ما تقدَّم، أكد الوزراء عزمهم على حظْر النقل البحري للنفط والمنتجات النفطية الروسية ما لم تُشتَرَ بسعر محدود. واستبق الكرملين خطوة دول المجموعة بالتأكيد أن روسيا ستوقف بيع النفط لأيّ دولة تطبّق الحدّ الأقصى. ولفت الناطق باسمه، دميتري بيسكوف، إلى أن بلاده ستبيع خامها إلى الدول التي تعمل وفقاً لظروف السوق، محذّراً من أن خطوة «السبع» ستؤدّي إلى زعزعة استقرار السوق بشكل كبير. بدوره، حذّر نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، من أن الخطوة «ستدمّر سوق النفط العالمية بالكامل»، كاشفاً أن موسكو لن تقوم بتوريد النفط ومشتقاته إلى الدول التي ستدعم هذه المبادرة.
ويأتي هذا الإجراء فيما يستعدّ الاتحاد الأوروبي (باستثناء ثلاثة من أعضائه) لحظر استيراد النفط الروسي اعتباراً من 5 كانون الأوّل المقبل، و5 شباط 2023 للمنتجات البترولية، وأيضاً لمنع شركات التأمين الأوروبية من تغطية عمليات نقله إلى وجهات أخرى خارج الاتحاد (أي عبر البحر). على هذه الخلفية، رجّح إيغور يوشكوف أن «نشهد مفاجأة تتمثّل في استبدال الحظر النفطي الأوروبي بسقف سعري»، محذّراً من أن هناك خشية من عدم قدرة روسيا، مع حلول موعد بدء عقوبات الاتحاد الأوروبي، على إعادة هيكلة تدفُّق صادراتها إلى الأسواق الآسيوية، وبالتالي سيتعيّن عليها خفْض الصادرات، كما فعلت في شهرَي آذار ونيسان الماضيين»، وهو ما «سيؤدّي إلى تفاقم النقص في السوق العالمية، وتالياً ارتفاع الأسعار بين 150-200 دولار للبرميل». من جهتهم، يجمع الخبراء الروس على أن إجراء دول «مجموعة السبع» يهدف أيضاً إلى إجبار الصين والهند على التوقُّف عن شراء النفط الروسي، لكنهم يؤكدون أن مثل هذا الأمر بعيد المنال، وخاصّة أن بكين ونيودلهي زادتا من حجم استيرادهما للنفط الروسي، واستفادتا من السعر التفضيلي الذي قدّمته إليهما موسكو، وهو أقلّ من السعر المتداوَل عالميّاً.