انطلقت في فنزويلا، منتصف الشهر الجاري، مسابقات «سنايبر فرونتير» للألعاب العسكرية الدولية 2022، والتي تنظّمها روسيا منذ عام 2015 وتشارك فيها دول صديقة لها، مِثل الصين وإيران والهند وكوبا وبورما. وهذه هي المرّة الأولى التي تستضيف فيها كاراكاس، التي تربطها علاقات وثيقة بموسكو، مسابقات في إطار تلك الألعاب السنوية التي ينخرط فيها حوالي 30 بلداً. وعلى رغم «روتينيّة» هذا الحدث الذي يُعرف أيضاً بـ«الألعاب الأولمبية العسكرية»، إلّا أن اختيار فنزويلا التي لا تَبعد سوى 1500 كيلومتر عن الولايات المتحدة لاستضافة الدورة الجديدة، يحمل رسائل غير خافية إلى الأميركيين. ومع أن روسيا لا تُعدُّ رائدةً في ذلك المجال، إذ اعتاد «حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، في السابق، إجراء منافسات مُماثلة، مِن مِثل «تحدّي الدبابات الأوروبية القوية» الذي استضافته ألمانيا لثلاثة أعوام متتالية (2016، 2017 و2018)، إلّا أن محلّلين غربيّين يعتقدون أنه «لا يمكن مقارنة أيٍّ من هذه المنافَسات بالحدث الروسي الضخم الذي يتضمّن بوضوح دوافع سياسية ودعائية»، وخصوصاً في ظلّ السياق الدولي الذي يُرافقه.وفي هذا الإطار، يلفت معهد «Secure Free Society» إلى أن الأنظمة المعادية لواشنطن «تتوحّد للقول بشكل واضح إن منطقة الكاريبي باتت مستعدّة لاحتضان قوّة متعدّدة الأقطاب». وبحسب المعهد الذي يتّخذ من واشنطن مقرّاً له، فإن «القلق يكمن في أن يفتح هذا النوع من التدريبات الباب أمام تعاون عسكري أشمل، وأن يعمّق العلاقات بين إيران والصين وروسيا ودول معيّنة في أميركا اللاتينية»، وأن يمهّد الطريق لنشر أصول عسكرية «مُعادية» في منطقة الكاريبي. من جهتها، تقول كارولين سي كوين، في مقالٍ في مجلّة «ذا ناشونال إنترست»، إن «موسكو، من خلال دعمها لأنظمة فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا عسكرياً وسياسياً، تعمل على خلْق نقطة ضغط جيوسياسية في الحديقة الخلفية لواشنطن». وما تَقدّم ينسحب، بحسبها، على الصين أيضاً «مع اختلاف الوسائل»، ولا سيما أن الأخيرة أدّت، على مدى العقدَين الماضيَين، دوراً اقتصادياً بارزاً في أميركا اللاتينية، من طريق الإقراض والاستثمار، وهو ما عزّز من وجودها في هذه المنطقة.
اعتاد «الناتو»، سابقاً، تنظيم مسابقات عسكرية مماثلة لتلك الروسية


في المقابل، تُدرج الدول المنخرطة في «سنايبر فرونتير» الحدث في إطار «ألعاب روتينية تهدف إلى توحيد الثقافات والشعوب أكثر من إظهار المهارات العسكرية»، وفق تعبير وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو لوبيز، الذي لفت إلى أنه تمّ إرسال 200 جندي فنزويلي إلى روسيا للمشاركة في المسابقات التي يُقام قسم منها على الأراضي الروسية أيضاً. ومع ذلك، فإن أهمّية الحدث تنبع من كونه مندرجاً في سياق لا يفتأ فيه التعاون، ولا سيما العسكري، يتعزّز بين الأطراف المُناهضة لواشنطن. وفي هذا الإطار، أكد الحرس الثوري الإيراني، في وقتٍ سابقٍ من الشهر الحالي، إجراء «تدريبات مشتركة مع روسيا بالطائرات من دون طيار، في قاعدة كاشات الجوية»، مضيفاً إن «بيلاروسيا وأرمينيا تشاركان أيضاً في مسابقات الطائرات من دون طيار الدولية». وكانت روسيا وإيران قد بدأتا توسيع شراكتهما منذ بداية العام الجاري؛ حيث اجتمع كبار مسؤولي البلدين بصورة منتظمة في الأشهر الأخيرة، وجرى توقيع اتفاقات اقتصادية وعسكرية، في وقت ادّعت فيه واشنطن، على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، في العاشر من آب، أن «مسؤولين روس تلقّوا تدريبات في إيران، كجزء من اتفاق شراء مسيّرات من طهران».
وبالعودة إلى الحدث الدائر على الأراضي الفنزويلية، فالأكيد أنه سينضمّ إلى مصادر إقلاق واشنطن، التي تَصاعدت مخاوفها في السنوات الأخيرة من النفوذ المتنامي للصين وروسيا في أميركا الجنوبية، والعواقب التي يمكن أن تَنتُج منه في مجالها الحيوي. وبدا ذلك واضحاً في حديث رئيسة القيادة الجنوبية الأميركية، الجنرال لورا ريتشاردسون، أمام مجلس الشيوخ، حيث قالت إن بكين وموسكو «تعملان على توسيع نفوذهِما في محيطنا»، وإن «مُفتاح مواجهة هذا التمدُّد هو العمل مع الشركاء والحلفاء في المنطقة».