قبل أن تُوارى داريا ألكسندر دوغين في الثرى، كان جهاز الأمن الفدرالي الروسي قد فكّك خيوط جريمة مقتل ابنة المفكّر الروسي الشهير، في انفجار عبوة ناسفة زُرعت في سيّارتها في ضواحي العاصمة موسكو. وجاءت الرواية الروسية الرسمية لتؤكّد ما كانت قد ذهبت إليه الترجيحات الأوّلية من ضلوعٍ أوكراني في العملية؛ إذ اتّهم جهاز الأمن الفدرالي الروسي، الاستخبارات الأوكرانية، بالوقوف خلْف الجريمة، التي نفّذتها، بحسب الجهاز، مواطِنة أوكرانية تُدعى نتاليا فوفك، وصلت إلى روسيا في 23 تموز الماضي، مع ابنتها شابان صوفيا (من مواليد 2010)، وفرّت إلى إستونيا عقب قتْلها داريا. وبمعزل عن تفاصيل الواقعة، فإن ما جرى يثير شكوكاً كثيرة حول وجود قصور أمني، وخصوصاً أن ألكسندر دوغين كان قد أبلغ الجهات المختصّة بتلقّيه وابنته تهديدات من «كتيبة آزوف» الأوكرانية المتطرّفة، الأمر الذي يثير تساؤلاً حول سبب عدم وضع فوفك تحت المراقبة فور وصولها إلى روسيا، ولا سيما أنها سكنت في العمارة نفسها التي تسْكنها داريا. وممّا يضاعف تلك الشكوك، حقيقة أن عملية أمنية كهذه تحتاج إلى شبكة متكاملة، تؤمّن رصد تحرّكات الضحية، وتتولّى توفير أداة الجريمة. وفي هذا السياق، قال عضو مجلس السياسة الخارجية والدفاعية، فلاديمير فوروزتسوف، وهو لواء شرطة متقاعد، إنه في مثل هذه العمليات «تكون هناك، بالإضافة إلى الجاني، مجموعات غطاء ومرافقة»، مُرجّحاً، في حديث إلى صحيفة «فزغلياد»، أن «تكون فوفك قد تلقّت العبوة الناسفة في روسيا، لأنّ من الصعب جدّاً تهريبها عبر الحدود»، وأن «يكون جميع شركائها قد فرّوا إلى الخارج في يوم الحادثة نفسه». وتُعزّز الجريمة المخاوف من وجود خلايا نائمة لكييف داخل الأراضي الروسية، إضافة إلى الخشية من إمكانية تسلُّل «إرهابيين» تابعين لـ«كتيبة آزوف» بين اللاجئين القادمين من الدونباس. وبحسب رئيس «رابطة المحاربين القدامى» في وحدة مكافحة الإرهاب، سيرغي غونشاروف، فإنه «ليس من الصعب على الخدمات الخاصة الأوكرانية العثور على فنّان بين الأوكرانيين الذين يعيشون في روسيا لتجنيده. كما أنه ليست هناك إجراءات من شأنها أن تمنع قوات الأمن الأوكرانية من تجنيد عملاء في بلدنا».
إزاء ذلك، بدأ الحديث يدور عن ضرورة اتّخاذ إجراءات وقائية، درءاً لسيناريو تحوُّل جريمة قتل دوغين إلى فاتحة لسلسلة عمليات أمنية. وكشفت صحيفة «إزفستيا» أن من بين تلك الإجراءات، إقرار مجلس الدوما، في الخريف، القانون الجديد بشأن «أنشطة الأمن الخاص»، بدلاً من القانون النافذ حالياً (المباحث الخاصة والأنشطة الأمنية)، والمعتمَد منذ عام 1992. ورأى عضو «الدوما»، أناتولي فيبورن، أن القانون الجديد «يحسّن من الإجراءات الأمنية في الأحداث الجماهيرية»، لافتاً، في تصريح إلى الصحيفة، إلى أن «التهديدات التي نقرأ عنها فقط في الكتب، وكانت بعيدة عنّا، نرى أنها أصبحت قريبة جدّاً اليوم»، وبناءً عليه فإن «الآليات التي عملت من قبل لم تَعُد تفي بالغرض».
في غضون ذلك، تشْخص الأنظار إلى ما ستفعله روسيا من أجل استرجاع الأوكرانية المتَّهمة بارتكاب الجريمة، من إستونيا التي ينبئ تحفُّظها عن الإدلاء بمعلومات حول ما إذا كانت فوفك موجودة على أراضيها، بأن سلطات تالين لن تتعاون مع موسكو في هذا المجال، وهو ما ينذر بتصاعُد التوتّر في علاقات البلدَين ودخولها أزمة جديدة. وحذّر النائب الأول لرئيس مجلس الاتحاد للشؤون الدولية، فلاديمير دشاباروف، من أنه «إذا لم تُسلّم إستونيا مرتكِب جريمة قتل دوغين إلى روسيا، فهناك أسباب لاتّخاذ إجراءات صارمة ضدّ تالين التي تؤوي إرهابياً». كما دعا عضو مجلس الدوما، القائد السابق للقوات الخاصة، أندريه كوليسنيك، موسكو إلى اتّخاذ الإجراءات المتَّبعة دولياً لملاحقة المجرمين عبر وضع المتَّهمة بمقتل داريا دوغين على قائمة المطلوبين دولياً، وإشراك الأنتربول في ملاحقتها. وشدّد كوليسنيك على أنه إذا رفضت إستونيا تسليم المتَّهمة «فعلينا أن نُظهر لتالين أن حدود الاتحاد الأوروبي لن تُوقف إقامة العدل»، مشيراً إلى «وجود العديد من الوحدات المختصّة في روسيا، القادرة على إيجاد فوفك وإعادتها لتلقّي القصاص»، مطالباً بأن «يكون ردّ موسكو قاسياً قدْر الإمكان». ورجّح الخبير العسكري، إيغور كوروتشينكو، بدوره، في تدوينة على قناته في «تلغرام»، أن يكون «جهاز الأمن أو دائرة المخابرات الأجنبية في إستونيا قد شاركا في الجريمة عبر توفير ممرّ آمن لفوفك».