«للضرورة وجهٌ مهرطق». يكاد ذلك القول الإسباني ينطبق على الحيل الديبلوماسية لحكومة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في التعامل مع أزمة الطاقة الناشئة في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تبعها من حصار غربي مشدّد على موسكو. إذ سعت الولايات المتحدة، ولا تزال، إلى تعويض النقص الحاصل في السوق من خلال طرْق أبواب دول خصمة ومصنَّفة «مارقة» وخاضعة للعقوبات، كفنزويلا، التي بدأت معها واشنطن، منذ آذار الماضي مفاوضات صعبة في هذا السبيل. وبحسب المعلَن إلى الآن، فإن اللقاء الأوّل في إطار تلك المفاوضات، التي تُعدّ الأولى من نوعها منذ القطيعة الديبلوماسية بين البلدَين عام 2019، انعقد في الخامس من آذار الماضي، عندما سافر خوان غونزاليز، مستشار بايدن ومدير مجلس الأمن لنصف الكرة الغربي، إلى كاراكاس واجتمع مع الرئيس نيكولاس مادورو، لتُعلن المتحدّثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، بعد أيام، أن الغرض كان «مناقشة قضايا مختلفة، بما فيها أمن الطاقة». أمّا اللقاء الثاني، فانعقد في شهر حزيران الفائت، حيث هبطت بعثة أميركية ثانية في العاصمة الفنزويلية، بقيادة روجر كارستينز وجيمس ستوري - اللذَين رافقا غونزاليز في الاجتماع الأول - للقاء رئيس الجمعية الوطنية والشخصية البارزة في «الحزب الاشتراكي الفنزويلي»، خورخي رودريغيز. وبعد أيام قليلة من الاجتماع الأخير، سمحت الولايات المتحدة، رسمياً، لشركة «إيني سبا» الإيطالية وشركة «ريبسول» الإسبانية ببدء تصدير النفط الفنزويلي إلى أوروبا.
أكّدت فنزويلا أنها لن تبيع النفط للغرب إلّا بشروطها

إزاء ذلك، يعتقد رئيس الممارسات الدولية في شركة المحاماة «أكرمان»، بيدرو فراير، وفق ما نقل عنه موقع «lexlatin» اللاتيني في مقال نهاية أيّار الماضي بعنوان «نهج الولايات المتحدة تجاه فنزويلا ليس عرَضياً، إنه نهج جيوسياسي»، أن «مقاربات الولايات المتحدة لا تتعلّق فقط بتصحيح النقص في النفط، إنّما تتخطّى ذلك إلى حركة جيوسياسية». ويضيف فراير أن ما يحدُث يمكن أن يفسَّر على أساسَين رئيسَين: «الأوّل: قضية النفط، كون فنزويلا من الممكن أن تنتج المزيد منه بدعم من شركات أميركا الشمالية. أمّا الثاني، فيُقرأ من وجهة نظر جيوسياسية، ويتمثّل في المحاولة الأميركية لفصل روسيا عن حلفائها في أميركا اللاتينية». وهنا، تجدر الإشارة إلى أن شركة النفط الفنزويلية (PDVSA) الحكومية كانت إحدى الشركات الخاضعة لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية، بحيث تُحظر إقامة علاقات تجارية واستثمارية معها، لكن الوزارة قامت، أخيراً، بتجديد الترخيص لشركة «شيفرون» الأميركية، وهي الوحيدة التي تحتفظ بوجود في فنزويلا، الأمر الذي ستستفيد منه «PDVSA» عاجلاً أم آجلاً.
من جهتها، أبدت الحكومة الفنزويلية، أخيراً، انفتاحاً على الحوار مع واشنطن، كما وافقت على الإفراج عن سجينَين أميركيَين، في ما يبدو أنها تجد في الخطوات الأميركية تجاهها فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. لكن وفق مصدر فنزويلي مطّلع، فإن كاراكاس لن ترضى بأيّ اتفاق لا يشمل شروطها في ما يخص تجارة النفط. ويضيف المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، أن الحكومة الفنزويلية «لا تُمانع بيع النفط لأوروبا وأميركا لكن ضمن شروط معيّنة، منها إزالة العقوبات عن شركة النفط الفنزويلية (PDVSA)، والدفع مسبقاً بشكلٍ كامل، إضافة إلى تأمين كلفة إنتاج هذا النفط»، متابعاً أن فنزويلا «أكدت أن بيع النفط سيتمّ بحسب سعر السوق». في المحصّلة، يبدو أن كاراكاس تقتفي أثر موسكو لناحية اشتراط الدفع بالعملة المحلية في المعاملات المرتبطة بالطاقة، وهو ما يدلّ على تنسيق روسي - فنزويلي عالي المستوى في هذا الملفّ أولاً؛ وثانياً، على أن فنزويلا لن تتخلّى عن حليفتها بسهولة، وتلتحق بمعسكر الغرب مقابل «هرطقة» أميركية تجاهها عند الحاجة.