أعادت حادثة اغتيال زعيم تنظيم «القاعدة»، أيمن الظواهري، في العاصمة الأفغانية، كابول، قضيّة العلاقات بين حركة «طالبان» والتنظيم، إلى الواجهة من جديد، بعدما شكّل هذا الارتباط ذريعة الولايات المتحدة لغزو أفغانستان في عام 2001، وإطاحة حُكْم «طالبان». وعلى إثر الإعلان عن الاغتيال، حذّرت وزارة الخارجية الأميركية، «طالبان»، من «إيواء الإرهابيين»، متهمةً إيّاها بانتهاك «اتفاق الدوحة»، فيما أعلنت الحركة أنها لم تكن تعلم بمجيء الظواهري إلى كابول والسكن فيها، مشيرةً إلى أن أجهزة استخباراتها «لا تزال تدرس الأبعاد المختلفة لهذا الحادث»، على أن «تقوم بتحقيق جادّ وشامل في هذا المجال».في هذا المجال، رأى مراقبون أن مواقف «طالبان» تتّسم بـ«الحذر»، ما يؤشّر إلى أنها لا ترغب في التصعيد، في الوقت الذي تسعى فيه إلى اكتساب شرعيّة دولية تُثبّت دعائم حُكمها. وعلى خلفية الاغتيال الذي حصل بعد عام من انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وانتقال الحكم إلى «طالبان»، تعرّضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى انتقادات شديدة، على رغم أن الإجراء «الرمزي»، المتمثّل في اغتيال الظواهري، هو بمثابة محاولة أميركية لترميم سمعتها وموقعها على صعيد «مكافحة الإرهاب».
وعلى رغم أن الظواهري لم يكن، في السنوات الأخيرة، مشاركاً في التخطيط التكتيكي لـ«القاعدة»، بيد أن تصفيته جسدياً، ستشكّل - بلا شكّ - ضربةً ماحقة للتنظيم، وستتبعها تداعيات تتمثّل في:

- تصدُّع «القاعدة» وإضعافه
يوفّر اغتيال كبار قادة مجموعات كـ«القاعدة» أو القبض عليها، إمكانيّةً لتراجع التنظيم عن ساحات القتال أو استقطاب المقاتلين، في حين تقوّض الصراعات حول إشغال موقع الزعامة في هذه المجموعات، تماسكها الداخلي. وعليه، فإن «القاعدة» يقف، اليوم، عند مفترق طرق؛ فإنْ حظي خليفة الظواهري بشرعيّة على نطاق واسع من لدن نواة «القاعدة» وتفرّعاته، سيكون بمقدوره المساهمة في تدعيم التنظيم. لكن أيّ انفصام وغموض يكتنف هذا الخلف، يمكن أن يُلقي بظلاله القاتمة على اقتدار الزعيم الجديد، وهو ما يمكن أن يقوّض التنظيم أكثر فأكثر. وعلى رغم أن انتقال الزعامة في السابق، حصل بعد موت أسامة بن لادن، ولم يكن له أثر على زوال «القاعدة» أو انهياره بالكامل، إلّا أنه جعله أضعف من ذي قبل.

- ارتباك علاقات «القاعدة» مع «طالبان»
ثمّة احتمال أن تكون «طالبان»، الباحثة عن ترسيخ نظام حُكمها وكسْب شرعيّة دوليّة، في صدد الابتعاد عن مجموعات كـ«القاعدة». وتأسيساً على ذلك، هناك إمكانية أن تكون بعض التيارات الداخلية في «طالبان» تعاونت مع الأميركيين في إفشاء مكان سكن الظواهري في كابول، بهدف اغتياله. وقد لقي زعيم التنظيم حتفه في الحيّ الدبلوماسي في منطقة شيربور، عندما كان يقيم في منزل أحد كبار مساعدي سراج الدين حقاني، وزير داخلية «طالبان» بالوكالة وزعيم الجناح القوي لـ«شبكة حقاني».
لا ترغب «طالبان» في التصعيد، بل تسعى إلى اكتساب شرعيّة دوليّة تثبّت دعائم حُكمها


وفيما لا يزال من المبكر لأوانه القول إن «طالبان» هي مَن زوّدت الولايات المتحدة بمعلومات تخصّ زعيم «القاعدة» لاغتياله، لكنّ احتمالاً كهذا يمكن أن يؤدّي إلى إرباك علاقات التنظيم مع الحركة. وسواء كانت الأخيرة قد تعاونت في اغتيال الظواهري أم لا، فإن معظم تداعيات هذا الهجموم وعواقبه، ستطاولها، لأنها لا تزال تبدو عاجزة وضعيفة، وإن كانت تحاول الإيحاء بخلاف ذلك. ويشير استمرار التحديات، إلى المشاكل التي تمرّ بها هذه المجموعة في الانتقال من تيار متمرّد وعنيف إلى حزب حاكم. ومن جهة أخرى، فإن حدث اغتيال الظواهري، يمكن أن يسهم في تشديد التوجهات الفئوية داخل «طالبان»، وتحوّلها إلى أسلوب عمل في المستقبل.

- تدعيم «داعش» في أفغانستان
لطالما أقام تنظيم «القاعدة» علاقات وثيقة مع «شبكة حقاني» التي تُعدّ أحد التيارات داخل «طالبان»، والتي استطاعت، بالتعاون مع هذه الشبكة على مرّ السنوات، الحفاظ على وجودها في أفغانستان. وفي ظلّ الدعم الذي قدّمه أعضاء الشبكة عام 2015، أقام «القاعدة» مخيّماته التدريبية ونفّذ عمليات ضدّ الأميركيين، مستفيداً من التدريبات التي تلقّاها من «حقاني». وكانت قوات التنظيم تخضع، حتى وقت قريب، لقيادة «شبكة حقاني». لكن عندما يتوصّل كبار أعضاء «القاعدة» إلى قناعة مفادها بأن «طالبان» باتت عاجزة عن حماية القيادات الرئيسة لتنظيمهم وتفرّعاته، وأنها لم تعد قادرة على إدارة أفغانستان من دون مساعدة الولايات المتحدة، فإن الكثير منهم قد يعتبرون «داعش» (تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان) الخيار الأنجع.
في هذه الأثناء، يسعى «داعش» إلى تقديم نفسه على أنه القوّة المستديمة في «أفغانستان الجديدة»، وهو أظهر، في هذا المسار، عزمه وقدراته الاستراتيجية. وفي ظروف المواجهة بين «داعش» و«طالبان»، فإن استقطاب أعضاء «القاعدة» يمكن أن يشكّل فرصة لتقوية «داعش» وتعزيز قدراته التنظيمية والتكتيكية والعملياتية.

* باحثة في «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» في طهران