طرابلس | لا يزال الطريق إلى الانتخابات في ليبيا غير واضح المعالم، فيما لم تفعل الغضبة الشعبية الأخيرة، والتحرّكات التي استهدفت مراكز الحُكم منذ الجمعة الماضية، إلّا أن زادت الوضع تعقيداً، على رغم ظهور العديد من المبادرات السياسية الهادفة إلى تمهيد الطريق نحو الانتخابات. وتَبرز من بين المبادرات المذكورة، تلك التي تَقدّم بها سيف الإسلام القذافي، والتي تتضمّن إقصاء جميع الوجوه السياسية الموجودة على الساحة بما يشمله هو، وإتاحة الفرصة أمام وجوه جديدة، بما يخدم «صالح الشعب والدولة». وعلى العكس من مبادرة القذافي التي تبدو مثالية، جاءت تصريحات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، والتي أكد فيها أن «الجيش لم يتمكّن من تحقيق جميع أهدافه بشأن مواجهة الإرهاب»، منتقداً الإخفاق في التوصّل إلى اتفاق سياسي، وداعياً «الشعب إلى الاستمرار في التظاهر»، باعتبار أن «التحرّكات الشعبية هي الوحيدة القادرة على إحداث التغيير وتمكين الشعب من تولّي الحُكم بنفسه».في المقابل، اتّهم حليف حفتر، رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بعض المتظاهرين بتلقّي دعم من الخارج، خاصة أولئك الذين هاجموا مقرّ البرلمان في طبرق اعتراضاً على سياساته؛ إذ يُعتبر مجلس النواب جزءاً من الأزمة السياسية، ولا سيما بعد منحه الثقة لحكومة فتحي باشاغا وإقصاء عبد الحميد الدبيبة وحكومته، ما أعاد استيلاد حكومتَين في البلاد إثر أشهر من الاستقرار السياسي النسبي. أمّا رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، فلا يزال يحاول الظهور بصورة الرجل القادر على إدارة الخلافات، وهو ما عكسه بشكل واضح البيان الصادر عن مكتبه بعد لقائه عدداً من ممثّلي الأحزاب. وقال المنفي، في البيان، إن هؤلاء طالبوه بالاستجابة للنداءات الشعبية، والتوجُّه نحو صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان ورئيس خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي لم يتمكّن المنفي إلى الآن من إيجاد توافق بشأنه بين الأطراف المتناحرة، بل إن رئيسَي «مجلس الدولة» والبرلمان لم يتوافقا بعد على موعد محدّد بشأن الاجتماع الذي دعت إليه المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، من أجل استكمال البحث في البنود العالقة من الدستور.
يدفع المنفي في اتّجاه قيام نظام رئاسي - برلماني، يتقاسم فيه الرئيس والبرلمان إدارة شؤون البلاد


مع ذلك، تحدّث المنفي عن حصوله على تفويض من الأحزاب التي التقاها، لتولّي زمام الأمور وإصدار مراسيم سيادية تُنهي المرحلة الانتقالية، وتدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن قبل نهاية 2022، في ما يمثّل مساراً جديداً يجري رسمه بدعم من أطراف خارجية على ما يبدو، في مقدّمتها القاهرة. ويحاول المنفي الحصول على دعم أوسع لخطّته قبل إعلان تفاصيلها بشكل رسمي، علماً أن الرجل الذي لا يزال يحظى بشرعية من الأمم المتحدة، يسعى لإصدار تشريعات قانونية لإجراء الانتخابات بحلول كانون الثاني المقبل، ووضْع جميع القواعد المنظّمة للعملية، ما يعني انتزاع السلطة من مجلس النواب، الذي ستتولّى نسخته الجديدة تحديد شكل الحياة السياسية والقوانين الناظمة للدولة بعد تسلُّمه للسلطة. والظاهر أن المنفي يدفع في اتّجاه قيام نظام رئاسي - برلماني، يتقاسم فيه الرئيس والبرلمان إدارة شؤون البلاد، في حين يعكف مستشاروه القانونيون على صياغة هذه البنود بشكل أكثر تفصيلاً، تمهيداً لإعلانها للرأي العام، في ما سيكون من شأنه إمّا زيادة الأمور تعقيداً، أو فتح الباب على حلحلتها والاستغناء عن المسار الأممي الذي ينتظر لقاء عقيلة صالح وخالد المشري في جنيف.