2- في عام 2009، أرادت الولايات المتحدة تعيين رئيس الوزراء الدنماركي، أندريس فوغ راسموسين، المؤيّد لـ«حزب العمّال الكردستاني»، أميناً عاماً للحلف. وعلى رغم اعتراضها، «اقتنعت» تركيا لاحقاً بالخيار الأميركي.
3- في عام 2019، رفضت تركيا الموافقة على خطّة «الأطلسي» الخاصّة بالبلطيق وبولندا، ما لم يُدرِج الحلف «قوات حماية الشعب» الكردية في قائمة المنظّمات الإرهابية. لكن أنقرة عادت وبدّلت رأيها، لتوضع الخطّة موضع التنفيذ.
4- والحالة الأخيرة، كانت تراجع تركيا عن استخدام حقّ النقض الذي هدّدت به لمنع السويد وفنلندا من الانضمام إلى الحلف.
ورأت «آيدنلق» أن هناك ميلاً خاصّاً لدى دول الحلف إلى الأرمن واليونان، بتأثير اللوبيَين اليوناني والأرمني، وأن لديها قناعة بأنه يمكن «إقناع» تركيا، في النهاية، لتتراجع عن موقفها. وفي الصحيفة نفسها، قال مصطفى إيلكير يوجيل إن «تركيا تُغضب الولايات المتحدة من جهة، وتساعد على تقوية حلف شمال الأطلسي من جهة ثانية، علماً أنه ليس من حلفٍ أطلسي مستقلّ من دون أميركا. ومن دون علم البنتاغون، لا يطير عصفور واحد داخل الحلف. تكبير الأطلسي هو تكبير للولايات المتحدة. لقد قسّم الحلف يوغسلافيا، واعتدى على ليبيا، واحتلّ أفغانستان، وعينه الآن على روسيا والصين وتركيا. لم يقصف الأطلسي موسكو ولا بكين، ولكنه قصف عبر جماعة فتح الله غولن إسطنبول في محاولة الانقلاب الفاشلة». وبحسب الكاتب نفسه، فإن إردوغان يساهم في توسيع «الأطلسي» وتقويته، و«إذا كان ما حصل في مدريد انتصاراً لتركيا، فلماذا يقهقه جو بايدن إذاً؟ الأمر لم يكن نصراً بل غفلة».
لا يُتوقّع أن ينعكس الاتفاق الثلاثي تحسُّناً ملموساً في العلاقات التركية - الأميركية
ويضيف محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، إلى قائمة «تنازلات» تركيا، ما حصل في عام 2009، عندما وافق حزب «العدالة والتنمية» على عودة فرنسا إلى الجناح العسكري للحلف، على رغم أن الرئيس الفرنسي في حينه، نيكولا ساركوزي، كان يناهض تركيا التي كانت هي الأخرى تفرض مقاطعة على البضائع الفرنسية. وفي عام 2016، وفي وقت كانت فيه العلاقات التركية - الإسرائيلية في الحضيض، وافق إردوغان على فتح مكتب لإسرائيل في مقرّ «الناتو». ووفق غولر، فقد كان «متوقَّعاً» أن تتخلّى تركيا عن حقّ النقض ضدّ انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، «لكن ليس بهذه السرعة». وتابع: «عندما ندقّق الآن في بيان مدريد الثلاثي، فإن أنقرة لم تحصل على أيّ التزام فعلي من الدولتين بتطبيق الاتفاق»؛ إذ يصنّف الاتفاق الثلاثي «العمّال الكردستاني» منظّمة إرهابية، لكنه لا يفعل ذلك مع «وحدات حماية الشعب»، مكتفياً بوصفها بـ«المنظّمات»، متسائلاً: «لماذا هذا التمييز؟ لأن الولايات المتحدة لا ترى في الوحدات الكردية منظمة إرهابية. ولماذا يشير البيان إلى جماعة فتح الله غولن بأنها (المنظّمة المعرّفة بالإرهابية في تركيا) فقط؟». التعهّدات المتبادلة، بحسب هذا الكاتب، «ليست متكافئة. أحد الطرفين استوفى الشرط (دخول السويد وفنلندا الحلف)، والطرف الثاني لم يستوفِه. وإذا لم تلبِّ استوكهولم وهلسنكي شروط أنقرة، فهل يمكن سحب العضوية منهما؟ حلف شمال الأطلسي غير ملزَم بالاتفاق لأنه ثلاثي، وإن اجتمعت الوفود برعايته. هذا هو الفخّ الذي نصبه الأطلسي لتركيا». واعتبر غولر أن «القضية الاستراتيجية كانت، منذ البداية، توسيع الأطلسي، فيما دعْم المنظمات الإرهابية من عدمه مسألة تكتيكية. لذلك، كان على تركيا ألّا تشترط على السويد وفنلندا قطْع دعمهما للإرهاب، بل أن تقطع الولايات المتحدة دعمها لهذه المنظمات».
من جهته، رأى السفير المتقاعد، فاروق لوغ أوغلو، أن السلطة تعمل على إظهار الاتفاق في مدريد على أنه انتصار، لكنّ تركيا لم تحصل من خلاله على أيّ تعهّدات أو ضمانات بتطبيقه. واللافت، بحسبه، أن الاتفاق جاء بعد اتصال بين بايدن وإردوغان، مشيراً إلى أنه يعتقد أن «تركيا لم تكتب الاتفاق، بل كُتب من قَبل، وبِلُغة مركّزة». وحول تأثيره على العلاقات التركية - الأميركية، لا يَتوقعّ لوغ أوغلو أن ينعكس تحسُّناً ملموساً في العلاقات الثنائية، إذ إن «تركيا بموقفها هذا، ربّما حالت دون توسيع الشقاق مع أميركا، لا أكثر ولا أقلّ». في المقابل، توقّع لوغ أوغلو «برودةً» في العلاقات التركية - الروسية، نتيجةً توسيع «الأطلسي»، وقال إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، غير راضٍ إطلاقاً عن الموقف التركي، مرجّحاً أن ينعكس ذلك رفضاً روسيّاً صارماً ضدّ أيّ عملية عسكرية تركية في شمال سوريا.
وتذكّر صحيفة «جمهورييات»، في تحليل لها، بأن هذه هي المرّة الرابعة على الأقلّ التي يدلي فيها إردوغان بتصريحات حادّة، ومن ثم ينقلب عليها. حصل ذلك مع الصحافي الألماني من أصل تركي، دينيز يوجيل، الذي اعتُقل بتهمة التجسّس والإرهاب عام 2017، لكنّ تدخُّلاً ألمانيّاً أطلق سراحه؛ ومع الراهب الأميركي، أندرو برونسون، الذي اعتُقل بالتهمة نفسها، ثمّ ضغط دونالد ترامب مهدّداً بتدمير الاقتصاد التركي، فأُطلق سراحه؛ وأيضاً في قضيّة مقتل جمال خاشقجي عام 2018، حيث تراجع إردوغان عن كلّ اتهاماته، وسلّم الملفّ إلى السلطات السعودية.