موسكو | انشغل العالم، في اليومَين الماضيَين، بالأنباء المتداولة عن تخلُّف روسيا عن سداد ديونها الخارجية لأوّل مرّة منذ قرن، والتي تَوّجها إعلان وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، أوّل من أمس، عدم تلقّي أصحاب سنداتٍ دفعات لقاء فوائد؛ إذ قالت الوكالة إن «أصحاب الديون السيادية الروسية لم يحصلوا على قسائم مدفوعات لسندات باليورو بقيمة 100 مليون دولار مع انقضاء فترة الإعفاء البالغة 30 يوماً، وهو ما نَعتبره تخلُّفاً عن السداد بموجب تعريفنا»، مُرجّحة تَكرّر الحادثة.وتشير معطيات «موديز» إلى عدم تلقّي المستثمرين قسائم لسندات «يوروبوندز» بالدولار تستحقّ في عام 2026، وباليورو تستحقّ في عام 2036، وهو ما كان يجب على روسيا فعله في 27 أيار الماضي.
إلّا أن وزارة المال الروسية أكّدت إيفاءها بالتزاماتها كاملة، عبر دفع أموال بموجب سندات «يوروبوندز» لـ2026 و2036، في 20 أيار 2022، أي قبل انتهاء ترخيص مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بخمسة أيام، والذي أتاح قبول الأموال لسداد ديون من روسيا. وأوضحت الوزارة أن كلّ الوسطاء الدوليين في السوق كانوا على علم بانتهاء فترة سريان الترخيص الأميركي، إلّا أنّهم لم يتّخذوا إجراءات لتسليم الأموال إلى المستثمرين، عازية ذلك إلى أعمال أطراف ثالثة. من جهته، رفض المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، «المزاعم» الغربية، قائلاً إن موقف بلاده «معروف؛ إذ إن الغرب جمّد أصولاً روسية وحظر استخدام الأموال المجمّدة بأيّ شكل، وهو أمر غير قانوني، ويعني السرقة»، مضيفاً أن حجب الأموال وعدم تسليمها إلى المستثمرين «لم يعودا مشكلتنا».
اللافت أن وكالة «بلومبرغ» التي كانت أوّل مَن نشر الخبر، أقرّت بأن «روسيا وجدت نفسها في وضع نادر للغاية؛ إذ إن لدى الدولة أموالاً لتسديد المدفوعات، ولكن محكوم عليها بالتخلّف بسبب الظروف الخارجية»، فيما بيّنت صحيفة «إيزفيستيا» الروسية أن الجزء غير المجمَّد من الذهب واحتياطيات النقد الأجنبي يمثّل تسعة أضعاف ديون روسيا على سندات اليورو. وتُواصل روسيا العمل على خدمة ديونها الخارجية، إذ وقّع الرئيس فلاديمير بوتين، في 22 حزيران الحالي، مرسوماً بشأن إجراء مؤقّت جديد لسداد الديون المقوَّمة بالعملات الأجنبية بالروبل الروسي، كما طلب إلى مجلس الوزراء ووزارة المال تحديد البنوك التي سيتمّ عبرها سداد الالتزامات المالية في إطار سندات «يوروبوندز». وبالفعل، فقد أرسلت وزارة المال قسائم لثلاثة إصدارات من سندات «يوروبوندز» بقيمة إجمالية تقارب 400 مليون دولار (21 مليار روبل).
الكرملين: حجب الأموال وعدم تسليمها إلى المستثمرين لم يَعودا مشكلتنا


ويقول خبراء روس إن عدم الدفع والتقصير المحتملَين مردّهما التخلُّف التقني؛ إذ إن المبالغ موجودة، والسلطات مستعدّة للدفع، ولكنّ الظروف الحالية تمنع العملية، وأدرجوا ذلك في خانة الضغوط الاقتصادية الغربية المتتالية. وفي هذا السياق، تؤكد رئيسة الصندوق الاستثماري «ميرلي كابيتال»، أناستاسيا تاراسوفا، أن لدى روسيا ما يكفي لسداد التزاماتها كافة، بالنظر إلى مدفوعات الغاز على وجه الخصوص، فيما يُبدي المحلّل المالي في مجموعة شركات «CMS»، فلاديمير ساجالايف، استغرابه من الحديث عن التخلّف، معتبراً الإعلان عن عدم سداد موسكو مبلغ 100 مليون دولار في ظلّ وجود احتياطيات تبلغ نحو 600 مليار دولار، «أمراً غريباً وغبياً»، مضيفاً أن «الحدث رُكِّب بشكل مصطنع».
ويرى الخبراء أنه حتى لو تمّ الإعلان رسمياً عن التخلّف عن السداد، فلن يؤدّي ذلك إلى أيّ شيء؛ إذ إن المالكين الأجانب لسندات «يوروبوندز» الروسية سيعجزون عن مصادرة الأصول الروسية في الخارج، بالنظر إلى أن موسكو لم تتنازل عن الحق في «الحصانة السيادية» عند وضع الالتزامات، وبالتالي لن تتمكّن المحاكم الأجنبية من اتّخاذ قرار قانوني بشأن مصادرة أيّ ممتلكات وأصول روسية. ويعتقد هؤلاء أن إعلان تخلُّف روسيا عن سداد ديونها، سيضرّ أساساً بالمستثمرين الأجانب، ولكنّهم يتوقّعون تبعات على الاقتصاد الروسي أيضاً؛ إذ سيطرأ نوع من التباطؤ في النموّ، إلى جانب تأثير سلبي على الأسعار. ويرفض الخبراء تشبيه الوضع الحالي بما جرى في عام 1918 عندما قرّر فلاديمير لينين، عدم سداد الديون الخارجية للإمبراطورية الروسية والبالغة في حينه 18,5 مليار روبل من الذهب، إضافة إلى ما حصل في عام 1998 إبّان الأزمة المالية الروسية وانهيار الروبل، ما أدى إلى تخلُّف حكومة الرئيس بوريس يلتسين عن سداد 40 مليار دولار من ديونها المحلية، وإعلانها تجميد الديون الخارجية.