تفاؤل مشوب بالحذر
يرى المختصّ في الشأن النووي الإيراني، رحمان قهرمانبور، أن زيارة بوريل لطهران لا تعني بالضرورة رفع العقبات التي تعترض طريق التوصّل إلى اتفاق، لذا «يجب التحدّث بحيطة وحذر حول نتائج هذه الزيارة». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، إن «مكاسب زيارة بوريل تواجه شروطاً واحتمالات كثيرة»، موضحاً أن «ما تمّ الاتفاق عليه، خلال الزيارة، هو إحياء المحادثات، لكن أن تتمخّض هذه المحادثات عن اتفاق أو لا، فهذا موضوع آخر». وبحسب قهرمانبور، فإن زيارة بوريل جاءت بعدما عارضت واشنطن، خلال الأشهر الأخيرة، مطلب طهران القاضي بسحب الحرس الثوري من القائمة الأميركية للإرهاب، أو على الأقلّ سحب «مقرّ خاتم الأنبياء للبناء والإنماء» (الذراع الاقتصادية للحرس) من قائمة العقوبات. وعليه، فإنّ بوريل كان يهدف إلى إقناع إيران بألّا تتصرّف بتطرّف مقابل التعنّت الأميركي، وأن تبقى ملتزمة بإحياء المحادثات. ويؤكد الخبير أن القضيّة الرئيسيّة تتمثّل، راهناً، في «الاتفاق من عدمه»، بعدما كانت، قبل ثلاثة أشهر، هل سيكون «الاتفاق جيّداً أم ضعيفاً؟». لذا، جاءت الزيارة في إطار السعي إلى حفظ الآمال لجهة التوصّل إلى اتفاق، قبل أن تهدف إلى تذليل العقبات التي تعترض طريق الاتفاق أصلاً.
قال بوريل إن المحادثات ستُستأنف في دولة خليجية
وفي تحليله للرؤى التي تسود السلطة في إيران والولايات المتحدة تجاه إحياء الاتفاق النووي، يقول قهرمانبور إن «ثمّة تيارين: أحدهما موافق والآخر معارض، موجودان داخل كلتا الإدارتين الإيرانية والأميركية. وفي أميركا، فإن التيّار الذي يمسك بدفّة مجلس الأمن القومي بزعامة جايك سوليفان يعارض الاتفاق وبات صوته الآن أعلى من السابق. وفي الإدارة الإيرانية، ينظر وزير الخارجية بإيجابية إلى إحياء الاتفاق النووي، بينما ينحو التيّار القريب من علي باقري، كبير المفاوضين، نحو التشدّد».
عقبات الاتفاق
ومع مرور أكثر من عام على بدء المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي، يُطرح سؤال عن ماهية العقبات والعراقيل التي تحول دون توصل المحادثات إلى النتيجة المرجوة؟ وفي هذا الإطار، يقول الباحث في وضع السياسات العامة – الحكومية في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، يوسف عزيزي، «لو كانت إدارة جو بايدن جادّة منذ البداية في العودة إلى الاتفاق النووي، وكانت تمتنع عن إثارة المطالب التي لا تمتّ إلى الاتفاق بصلة، لجرى إحياء الاتفاق بسهولة أكبر. وكلما مرّ وقت وتغيّرت الظروف الداخلية في أميركا وإيران، وكذلك الظروف الإقليمية والدولية وتصاعدت حدّة الخلافات الصينية - الأميركية، بات إحياء الاتفاق يواجه مطبات أكبر», ووفق عزيزي، فإن «واشنطن وبروكسل تخسران الفرصة الذهبية لإحياء الاتفاق، إذ استطاعت إيران حالياً، مقارنة بالجولات الستّ الأولى التي عُقدت تحت إدارة الرئيس حسن روحاني، الحصول على المزيد من التنازلات من الطرف الآخر. وما كان في مقدور الأميركيين الحصول عليه خلال الأشهر الستة الأولى، لم يعد ممكناً، وخصوصاً في ظلّ طرح إيران مطالب جديدة». ويرى هذا الباحث أن إحدى العقبات التي اعترضت التوصل إلى اتفاق، حتى الآن، هي إصرار الولايات المتحدة على إدراج موضوعات في الاتفاق النووي لا علاقة لها بالاتفاق، بما فيها القضايا الإقليمية. ويضيف إن «الإبقاء على الحرس الثوري في قائمة الإرهاب وإبقاء 400 إلى 500 شخصيّة عادية واعتبارية وكذلك شركات إيرانية مدرجة في قائمة العقوبات الأميركية منذ عهد ترامب، يشكّل عقبة أخرى على طريق إحياء الاتفاق». وبحسب عزيزي، فإن «أميركا هيّأت الظروف لاتفاق صُوري لا تنتفع منه إيران اقتصادياً»، فيما يجب الحصول على ضمانات قوية تمنع تكرار تجربة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ولكن ذلك يشكّل عقبة أخرى على طريق إحياء الاتفاق. ويقول: «إذا لم تقدّم ضمانات قوية ومتينة، فإن أيّ استثمار طويل الأمد لن يحصل في إيران، وهذا ما يدفعها إلى السير بحذر على طريق التوصّل إلى اتفاق». ويضيف عزيزي إن روسيا والصين تأخذان بالحسبان أن العقوبات الأميركية يجب ألّا تشكل عقبة أمام انتفاعهما من إحياء الاتفاق، لكي تبادرا إلى توسيع علاقاتهما الاقتصادية مع إيران، وهذه الملاحظة الروسية - الصينية لا تضرّ طهران بل تخدمها.