أجواءٌ حامية عاشتها منطقة الكوريتَين أخيراً، مُنذرةً باحتمال تفجُّر الأوضاع بين بيونغ يانغ وسيول. وأشاعت تلك الأجواءَ، ابتداءً، التدريباتُ العسكرية الكورية الجنوبية - الأميركية الموسّعة الشهر الماضي، وما تلاها من تجارب صاروخية متبادلة بين الجارَين. ثمّ جاءت المباحثات الصينية - الأميركية في لوكسمبورغ، والتي تطرّقت بشكل مباشر إلى الملفّ النووي الكوري الشمالي والتجارب الصاروخية الأخيرة، لتُسلّط أضواءً إضافية على هذا الملفّ. وفي خضمّ كلّ ذلك، عقد الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، ابتداءً من الثلاثاء الماضي، اجتماعاً لكبار المسؤولين العسكريين على مدار ثلاثة أيام، بهدف مناقشة سياسات الدفاع الوطني. وبحسب وكالة الأنباء الكورية الشمالية، فإن الهدف من اجتماع اللجنة العسكرية المركزية لـ«حزب العُمّال» الحاكم، كان «مراجعة العمل الدفاعي خلال النصف الأول من العام الجاري، والتأكيد على المهام الحاسمة والعاجلة لتوسيع القدرات العسكرية». وأضافت الوكالة أنه «تمّت مناقشة إسناد مهام إضافية لوحدات الجيش في الخطوط الأمامية»، في ما عدّه محلّلون مؤشراً واضحاً إلى نيّة بيونغ يانغ «نشر أسلحة نووية في أيّ معركة مقبلة مع كوريا الجنوبية»، خصوصاً أن الاجتماع ظهرت فيه خريطة كبيرة للساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكورية، بما يشمل المواقع الحدودية. وبنتيجة اللقاء، شدد كيم، وفق ما نُقل عنه أمس، على «ضرورة بذل الجيش بأكمله كلّ ما في وسعه لتنفيذ الخطّة الاستراتيجية العسكرية للجنة المركزية ل​لحزب الحاكم، وتوطيد قدرات الدفاع عن النفس بكلّ طريقة قوية للتغلب على أيّ قوى معادية». وبحسب الوكالة الرسمية، فقد «تمّت خلال الاجتماع الموافقة على توفير ضمان عسكري لتعزيز قوة الردع في البلاد، والتصديق على خطّة إعادة تنظيم التشكيلات التنظيمية العسكرية». ولم يشِر تقرير الوكالة بشكلٍ مباشرٍ إلى برنامج بيونغ يانغ النووي أو برنامجها الصاروخي، لكنه أكد أنّ ري بيونغ تشول، الذي يقود مهمّة تطوير الصواريخ في البلاد، انتُخب نائباً لرئيس اللجنة العسكرية المركزية.ونقلت شبكة «ABC» الأميركية عن كبير المحلّلين في معهد «سيجونغ» الخاص بكوريا الجنوبية، تشيونغ سيونغ تشانغ، قوله إنه «على الرغم من عدم وجود أيّ ذكر علني للأسلحة النووية التكتيكية، إلّا أنه يمكنني الجزم أن قضايا النشر الأمامي للأسلحة النووية التكتيكية وتعديل الخطط العملياتية وتعديلات التنظيم العسكري، قد نوقشت بشكل متعمّق في الاجتماع». وأضاف المحلّل أن هذه التعديلات «كانت متوقّعة» منذ أن أعلنت كوريا الشمالية في نيسان الماضي، أن «أسلحتها التكتيكية الجديدة ستُعزّز بشكل كبير القدرة الهجومية للوحدات والتشغيل الفعّال لتلك الأسلحة»، مشيراً في هذا السياق إلى حديث الزعيم الكوري في نيسان الفائت، حين قال: «يمكن أن تُستخدم الأسلحة النووية بشكل استباقي إذا تمّ تهديدنا.... لن تقتصر أبداً على الردع فقط بل إنها أيضاً ستكون مهمتها مواجهة أيّ تهديدات خارجية لمصالح كوريا الشمالية الأساسية». ولفت تشيونغ إلى أنه «من المتوقّع أن تُجري كوريا الشمالية تجربتها النووية السابعة بعد الاجتماع»، مُذكّراً بأن تجربتها النووية الثالثة في عام 2013 جاءت أيضاً بعد أيام من اجتماعٍ للجنة العسكرية المركزية.
تتطلّع إدارة جو بايدن إلى تعزيز «التعاون» مع الصين في ما يخصّ التهديد النووي في شبه الجزيرة الكورية


وفي الاتّجاه نفسه، أجمع محلّلون غربيّون على أن كيم لا يلتقي بالقادة العسكريين «إلّا في حال وجود أمر مهمّ عسكرياً»، وهو ما يدفعهم إلى توقُّع أن يكون الاجتماع تمهيداً للاختبار النووي المرتقب، والذي يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة المحيط الهندي والهادئ. وكان مسؤولون أميركيون وكوريون جنوبيون قد أعلنوا، أخيراً، أن بيونغ يانغ «تستعدّ لإجراء أوّل تجربة نووية لها منذ خمس سنوات»، في ما يبدو، بحسب القراءات الغربية، تصعيداً لـ«سياسة حافة الهاوية»، في إطار سعي كيم لـ«ترسيخ مكانة كوريا الشمالية كقوّة نووية... والتفاوض بشأن التنازلات الاقتصادية والأمنية من موقع القوّة». وفي حال نُفّذ هذا الاختبار بالفعل، فسيكون السابع منذ 2006، والأوّل منذ أيلول 2017، عندما أعلنت كوريا الشمالية تفجيرها قنبلة نووية حرارية، لتلائم صواريخها الباليستية العابرة للقارات. وسجّلت بيونغ يانغ رقماً قياسياً سنوياً في عمليات الإطلاق الباليستية في النصف الأول من العام الجاري؛ إذ أطلقت 31 صاروخاً، وعدّة قذائف مدفعية. وفي هذا السياق، يَعتبر خبراء أن «تسريع الكوريين الشماليين بشكل غير عادي وتيرة هذه الاختبارات، يؤكد نيّة كيم المزدوجة لتعزيز ترسانته أولاً، والضغط على نظيره الأميركي بشأن الديبلوماسية النووية المتوقّفة منذ فترة طويلة، ثانياً». وفي المقابل، لا يبدو أن الولايات المتحدة التي قالت إنها ستضغط من أجل فرض عقوبات إضافية إذا أجرت بيونغ يانغ تجربة نووية أخرى، ستذهب بعيداً في الخيار المذكور، وذلك بسبب الانقسامات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي عندما يتعلّق الأمر بعقوبات على بيونغ يانغ.
ومن هنا، أتى اللقاء الذي جمع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، إلى مدير اللجنة المركزية للشؤون الخارجية الصينية يانغ جيتشي، الأسبوع الماضي، في لوكسمبورغ، في جلسة نقاش استمرّت أربع ساعات ونصف ساعة، ووصفها مسؤول كبير في إدارة جو بايدن بأنها «صريحة ومتعمّقة وموضوعية ومثمرة».
وقد عكس هذا الاجتماع، بتوقيته ومواضيعه، «أمل الإدارة الأميركية تحت قيادة بايدن في العمل مع الصين بشأن كوريا الشمالية، على رغم الخلاف بين الطرفَين»، وفق ما قاله المحلّل في مجلة «نيوزويك» الأميركية، توم أوكونور، مضيفاً أن إدارة بايدن «تتطلّع إلى تعزيز الديبلوماسية مع الصين عن كثب في ما يخصّ التهديد النووي في شبه الجزيرة الكورية». ومن المعروف أن الصين تدعم كوريا الشمالية، وتعارض العقوبات المفروضة على الأخيرة، وهذه القضية، وفق أوكونور، «زادت من حدّة التنافس الجيوسياسي المتزايد بين بكين وواشنطن في السنوات الأخيرة». وفي الوقت الذي كان يجلس فيه سوليفان مع يانغ، كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يجلس مع نظيره الكوري الجنوبي، بارك جين، في واشنطن، لتأكيد ثبات التحالف بين البلدَين. ولم يتردّد بارك، في ذلك الاجتماع، في التشديد على وجوب أن «تلعب الصين دوراً إيجابياً لإقناع كوريا الشمالية بالحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية». إلّا أن المحلّلين يشكّكون في إمكانية أن تلعب بكين دوراً من هذا النوع، خصوصاً بعد زيارة بايدن إلى كوريا الجنوبية واليابان الشهر الماضي، حيث شارك في اجتماع لـ«الحوار الأمني الرباعي»، وهو تحالف يضمّ كلّاً من الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، وتسعى كوريا الجنوبية إلى الانضمام إليه، فيما تَعتبره بكين «محاولة أميركية لإنشاء كتلة جيوسياسية مكرَّسة لمواجهة الصين واحتوائها في مجالها الحيوي».