ليلة من التاريخ عاشتها كولومبيا الأحد، مع فوز أوّل يساريّ ومتمرّد سابق برئاسة هذه البلاد التي ارتهنت طويلاً للنُخب اليمينية القريبة من الجار الأميركي، ولسنوات من العنف السياسي. قبلها بأيام، كان غوستافو بيترو على يقين بالفوز، حيث قال في مهرجانه الانتخابي الأخير في بوغوتا التي تولّى رئاسة بلديتها بين 2012 و2015، «إنّني على يقين بأننا سنُغيّر تاريخ كولومبيا يوم الأحد»، حيث سيتّسع أيضاً المدّ الذي حقّقه اليساريون في تشيلي وهندوراس والبيرو أخيراً.يعدّ بيترو، الذي يتولّى منصبه في آب المقبل، خبيراً اقتصادياً، بدأ تحصيله العلمي بعد خروجه من السجن منتصف الثمانينيات، وحصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة في بوغوتا، قبل أن يُكمل تعليمه العالي في بلجيكا في الجامعة الكاثوليكية في لوفان. انضمّ في الـ17 من عمره إلى التمرّد المسلح، وأُوقف في العام 1985، ولكنّه نجح في بداية التسعينيات في دخول البرلمان ضمن تحالف سياسي شكّله مقاتلون وناشطون سابقون في «حركة 19 أبريل» المسلّحة. يلقبه معارضوه بـ«كاستروشافيستا»، وذلك بسبب تأثّره الواضح بقائد الثورة الكوبية، فيديل كاسترو، فيما جمعته صداقة بالرئيس الفنزويلي السابق، هوغو تشافيز. ويقول متابعون كولومبيون إن بيترو لُقّب في مراحله الأولى بالقائد «أندريس أوريليانو»، تيمُّناً بإحدى شخصيات رواية «مئة عام من العزلة».
يرى بيترو أن النظام الاقتصادي الكولومبي منهار لاعتماده بشكل مفرط على صادرات النفط وتجارة الكوكايين غير القانونية، ولكن المزدهرة، والتي يَعتبر أنها جعلت «الأغنياء أكثر ثراءً والفقراء أفقر». ومن هنا، أثار برنامجه الانتخابي مخاوف شركات النفط وعمال المناجم، بالنظر إلى أن الرجل كان قد تعهّد بالحدّ من توقيع عقود جديدة للتنقيب عن النفط في مقابل تطوير الصناعات الأخرى وتوسيع البرامج الاجتماعية. كما أنه وعد بإصلاح النظام التقاعدي، وإنهاء الإعفاءات الضريبية، وتعزيز القطاع الزراعي. لكن الأخطر كان تعهّده بفرض ضريبة مرتفعة على الأغنياء، وهو الأمر الذي استدعى في وجهه تكتّلاً من رجال الأعمال والأثرياء، نجح في تقليص نقاطه في استطلاعات الرأي الأخيرة قبل الاستحقاق. كما اصطفّت الكنيسة في كولومبيا في معسكر معارضي ترشّحه، فيما أثارت خطّته الاقتصادية الطموحة مخاوف الطبقتَين البرجوازية والرأسمالية، حتى أنّها وُصفت لدى رموزهما بـ«الانتحار الاقتصادي».
وصول بيترو إلى الرئاسة سيؤدي إلى تغيير علاقة كولومبيا بالولايات المتحدة


ويُتوقّع أن يواجه بيترو في رئاسته تحدّيات على غرار قلّة الفرص الاقتصادية، وتزايد العنف، وهما الأمران اللذان أديّا إلى هجرة عدد كبير من الكولومبيين إلى الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى التهديدات التي تواجهها غابات الأمازون. وعلى صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، توقّعت «نيويورك تايمز» أن يؤدي وصول بيترو إلى الرئاسة «إلى تغيير علاقة كولومبيا بالولايات المتحدة»، علماً أنه وعد في حملته الانتخابية بـ«إعادة تقييمها». وفي مقابلة صحافية معه، قال الرئيس الجديد إن علاقته بواشنطن «ستُركز على العمل سويّةً لمعالجة تغير المناخ، وعلى وجه التحديد وقف التآكل السريع في منطقة الأمازون». وأضاف أن «هناك نقطة حوار مشتركة في هذا الخصوص». من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية الكولومبي، فيسنتي توريغوس، وفق ما نقلت عنه شبكة «سي إن إن بالإسبانية»، إن هناك ثلاثة أسباب لفوزه، وهي أن الرَجل تمكّن أولاً من توحيد اليسار، وأبدع في التسويق السياسي ثانياً، فيما نجح أخيراً في جذْب النخب السياسية التقليدية.