وقّعت كلّ من إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي، مذكّرة تفاهم لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى القارّة الأوروبية، في خطوة تُعدّ رمزية، على رغم دلالاتها السياسية الكثيرة؛ إذ تعني أن القاهرة وتل أبيب ستعوّضان، وإن بشكلٍ محدود، ما أمكن تعويضه من الغاز الروسي، في ظلّ بحْثٍ أوروبي وغربي عن بدائل له. وتمّ توقيع المذكّرة الثلاثية في القاهرة، يوم أمس، على هامش اجتماع «منتدى غاز الشرق الأوسط» الذي عُقد على مستوى وزاري، وحضر مراسمَ إعلانها عن الجانب الإسرائيلي، وزيرة الطاقة كارين الهرار، وعن الجانب المصري، وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي اختتمت، أوّل من أمس، زيارةً خاصّة إلى تل أبيب، التقت خلالها كبار المسؤولين الإسرائيليين لمناقشة «المسألة الغازية»، وتَقرَّر في أعقابها التوقيع على مذكّرة التفاهم، بمشاركة الجانب المصري، الذي سينقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد تسييله في محطتَي الإسالة المصريتَين، دمياط وأدكو، الواقعتَين على البحر المتوسط.ولا تُعدّ المذكّرة ذات أهمّية عملية من ناحية أوروبا، ولا من ناحية إسرائيل أو مصر، على رغم الانطباع العام الذي تَشكَّل في أعقابها، واحتلال أخبارها حيّزاً واسعاً في وسائل الإعلام على اختلافها، سواءً في دول الاتحاد الأوروبي نفسها، أو لدى طرفَيها الآخرَين. وتُشير المعطيات المتوافرة إلى أنه لا يوجد لدى الجانب الإسرائيلي فائض غاز يمكنه تصديره - بعد حساب الحاجة الذاتية -، إذ إن معظم ما يُستخرج من حقول فلسطين المحتلة، لا يكفي الحاجة الإسرائيلية نفسها، علماً أن تل أبيب تصدّر إلى مصر ما بين 2.5 و3 مليارات متر مكعّب من الغاز سنوياً، يُقدَّر أن تزيد إلى 4 مليارات في السنوات المقبلة، وهو ما قد يتعذّر على إسرائيل المضيّ فيه نتيجة محدودية قدرة البنى التحتية لنقل الغاز في الكيان، من الآبار إلى عسقلان وصولاً إلى العريش، مع الإشارة إلى أن الأنبوب الرابط بين إسرائيل ومصر تَقرب سعته من 7 مليارات متر مكعّب في العام. ويصل الغاز الإسرائيلي إلى مصر بسعر مخفّض، ومن ثمّ تعمل القاهرة على تسييله واستهلاكه محليّاً، فيما تسيّل الفائض من إنتاجها هي، والذي يُقدَّر بأربعة مليارات متر مكعّب سنوياً، وتصدّره إلى الخارج. وكانت تل أبيب والقاهرة وقّعتا على اتفاق مبدئي (30/11/2021)، تقرَّر بموجبه زيادة كمّيات الغاز الإسرائيلي المورّدة إلى مصر، من دون تحديد الكمّية المضافة. وإذ أكد الوزير المصري، طارق الملا، في حينه، أن الزيادة ستكون معدَّة للتصدير من دون أن يحدّد الكميّة، توقّع الإعلام العبري، في حينه أيضاً، أن تزيد الكميات المورّدة إلى الجانب المصري بحدود مليار متر مكعّب سنوياً، وفق ما تأمله الشركات الإسرائيلية.
لا تُعدّ مذكّرة التفاهم ذات أهميّة عمليّة من ناحية أوروبا، ولا من ناحية إسرائيل أو مصر


أمّا مفارقة الاتفاقات ومذكّرات التفاهم بين الجانبَين المصري والإسرائيلي، فهي الخلاف حول وجهة الغاز المورّد من فلسطين المحتلّة إلى مصر. فالأخيرة تؤكد، بشكل دائم، أن الغاز الذي تستورده من الكيان مخصّص للتصدير إلى الخارج، فيما تقول إسرائيل في المقابل، إنه مخصّص لاستهلاكه في الداخل المصري نفسه. لكن النقلة الجديدة في مذكّرة التفاهم الموقّعة أمس، هي إقرار طرفَيها، أنها وفي حال تنفيذها، ستكون الكمّيات المنصوصة فيها مخصّصة للتصدير إلى أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن واردات الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي، تُقدَّر بنحو 200 مليار متر مكعب في العام الواحد، فيما لا تتجاوز قدرة إسرائيل على توريد هذه المادة، بمعيّة الجانب المصري، المليار متر مكعّب سنوياً.
على هذه الخلفية، ورد في مذكّرة التفاهم ما يمكّن الطرفين، إسرائيل ومصر، من أن لا يسيرا قُدماً في تنفيذها، وتحويلها لاحقاً إلى اتفاق مُلزِم. إذ جاء فيها: «تعمل الأطراف الموقِّعة على تمكين الإمداد المنتظم للغاز الطبيعي لشركات الاتحاد الأوروبي من مصر وإسرائيل وجهات أخرى، باستخدام البنية التحتية الحالية لتسييل الغاز الطبيعي في مصر. ويتمّ القيام بكلّ ما سبق مع مراعاة الحفاظ على أمن الطاقة والقدرة على إمداد السوق المحلّية في بلدان الأطراف الموقِّعة، والمذكّرة لن تمنع إسرائيل ومصر من تصدير الغاز الطبيعي إلى جهات أخرى».