طهران | صادق مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، مساء الأربعاء، على القرار الذي كانت تَقدّمت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، على خلفيّة شكوك أثارتها الوكالة في شأن آثار يورانيوم عُثر عليها في ثلاث منشآت نووية إيرانية غير معلَنة (وهي تورقوز آباد ومريوان وبارجين)، علماً أن تلك الشكوك غير متعلّقة بالأنشطة النووية الإيرانية الحالية، بل تعود إلى عامَي 2003 و2004، وتقول إيران إنها قدّمت الإيضاحات اللازمة بشأنها. وعبّر القرار عن «بالغ القلق» ممّا وصفه «عدم تعاون إيران بما يكفي في مجال توضيح مصدر جزيئات اليورانيوم التي عُثر عليها»، وطلب من طهران التعاون مع المنظّمة الدولية «من دون إهدار الوقت». وتثير هذه الخطوة تساؤلاً حول ما إذا كانت ستستتبع مزيداً من التصعيد القائم أصلاً بين إيران والقوى الغربية، وتدفع بالاتفاق النووي بالتالي إلى هاوية الموت الحتمي، أم ستشكّل حافزاً نحو استئناف المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق، والتي توقّفت منذ نحو ثلاثة أشهر على خلفيّة تزايد حدّة الخلافات بين إيران وأميركا؟ وعلى رغم أن قرار «الطاقة الذرّية» لم تكن نبرته حادّة، كما لم يتضمّن توعُّداً بإعادة الملفّ النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، بيد أن إيران لم تُطِق صدور هكذا قرار؛ إذ ندّدت به واعتبرته «إجراءً سياسياً غير صائب وغير بنّاء»، و«مبنيّاً على معطيات كاذبة لفّقها الكيان الصهيوني»، ونبّهت إلى أن هذه الخطوة «لا نتيجة لها سوى تقويض تعاون وتعاطي الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الوكالة الدولية». وكانت إيران استبقت الخطوة الغربية ضدّها بفصل كاميرات المراقبة غير الخاضعة لاتفاق الضمانات بينها وبين الوكالة، وأعلنت البدء بتركيب أجهزة طرد مركزي متطوّرة في منشأة نطنز. وينبئ ذلك بأن الأوضاع متّجهة نحو مزيد من التوتير، فيما ستكون آفاق محادثات إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة» أكثر ضبابية وقتامة. ويبدو أن طهران تُراهن بشكل خاص في هذه المواجهة، على دعم روسي وصيني؛ إذ إن احتدام الصراع بين بكين وموسكو من جهة، وواشنطن والعواصم الأوروبية من جهة أخرى، عقب الحرب الأوكرانية، قلّص من إمكانية مجاراة الروس والصينيين للقوى الغربية.
بدأت أوساط إيرانية تتحدّث عن ضرورة الانسحاب من «معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية»


وممّا يعزّز مؤشّرات التصعيد أيضاً، حديث بعض الأوساط في إيران عن ضرورة الانسحاب من «معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية» (NPT). وكتبت صحيفة «كيهان»، القريبة من مكتب المرشد الأعلى، في هذا الإطار، أنه «عندما لا تنطوي العضوية في المعاهدات الدولية على أيّ فائدة لبلادنا، بل هي على النقيض من المصالح الوطنية، وتؤدّي إلى تكثيف التهديدات والعقوبات ضدّ إيران، فما الحاجة إلى البقاء في معاهدة الحدّ من الانتشار النووي إذن؟ وعليه، فإن هذا الموضوع يجب أن يوضع في ميزان حسابات البرلمان والجهاز الدبلوماسي، ليشكّل إجراءً متبادلاً وحازماً تجاه العقبات التي تضعها أميركا ونكث العهد الذي يمارسه الأوروبيون».
أمّا الاحتمال الثاني، الذي يبدو متفائلاً، فهو أن تبنّي القرار الأخير من قِبَل «الطاقة الذرّية»، سيشكّل دافعاً لجميع الأطراف نحو تفعيل المفاوضات الهادفة إلى تسوية الملفّ النووي بالطرق السلمية. ويعتقد أصحاب وجهة النظر هذه أن هدف الأطراف الغربيين من القرار، إنّما هو اعتماده كأداة ضغط على إيران لكي تقبل بإحياء الاتفاق النووي على أساس الشروط والملاحظات التي يضعونها هم. ويمكن عدّ صيغة القرار، التي جاءت أشبه بالتوصيات، مؤشّراً في ذلك الاتجاه، الذي يقتضي ألّا تتجاوز التوتّرات مستوى محدّداً.
وبغضّ النظر عن طبيعة الاحتمال الذي سيتحقّق على أرض الواقع في نهاية المطاف، فإن الواضح هو أن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد اشتداد المواجهة بين إيران والغرب.